المغرب يواجه تحدي انقطاع التلاميذ عن الدراسة: طموح حكومي وانتقادات مستمرة

الرباط – 30 ابريل 2025

يشهد النظام التعليمي المغربي تحديًا مزمنًا يتمثل في انقطاع حوالي 280 ألف تلميذ سنويًا عن الدراسة، منهم 160 ألفًا في سلك التعليم الإعدادي وحده. وفي محاولة للتصدي لهذه الظاهرة، أعلنت الحكومة خطة طموحة تهدف إلى خفض عدد المنقطعين من 295 ألف تلميذ في 2024 إلى 200 ألف بحلول 2026، مع هدف استراتيجي أكبر يرمي إلى تقليص هذا العدد إلى النصف خلال السنوات المقبلة. لكن هذه الجهود تواجه انتقادات واسعة من قبل خبراء ونقابات ترى أنها لا تعالج جذور المشكلة، مما يثير تساؤلات حول مدى فعاليتها.

جهود الحكومة: خطوات واعدة أم حلول جزئية؟

أوضح وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، في تصريح صحفي عقب اجتماع ترأسه رئيس الحكومة عزيز أخنوش حول إنعاش التشغيل، أن الوزارة تعتمد حلولًا مندمجة تربوية واجتماعية واقتصادية.

تشمل هذه الحلول توجيه 80 ألف تلميذ من المنقطعين المحتملين إلى “مدارس الفرصة الثانية”، التي تقدم تكوينات مهنية أو فرصة العودة إلى الدراسة، وتعميم “إعداديات الريادة” التي توفر دعمًا بيداغوجيًا وأنشطة موازية في الموسيقى والرياضة والمسرح لتعزيز ارتباط التلاميذ بالمدرسة.

كما أُنشئت خلايا للتتبع النفسي والتربوي داخل المؤسسات، مستندة إلى منظومة “مسار” لرصد التلاميذ المعرضين للانقطاع وتقديم الدعم الفردي لهم.

وفي المناطق القروية، حيث تتفاقم الظاهرة بسبب الفقر والبعد الجغرافي، تعتمد الحكومة برامج دعم مثل النقل المدرسي، المطاعم، ودور الإيواء، التي أثبتت فعاليتها في الحد من انقطاع التلميذات القرويات. وتندرج هذه الجهود ضمن المبادرة السابعة من خارطة طريق الحكومة لإنعاش التشغيل، التي تربط التعليم بفرص الإدماج الاجتماعي والمهني.

انتقادات للنهج الحكومي

على الرغم من هذه الجهود، تواجه الحكومة انتقادات حادة من قبل فاعلين تربويين ونقابات تعليمية:

أولًا، يرى منتقدون أن الخطة تركز على معالجة الأعراض بدلًا من جذور المشكلة، مثل ضعف جودة التعليم ونقص البنية التحتية في المناطق النائية. فالعديد من المدارس القروية تعاني من نقص المدرسين المؤهلين، ضعف التجهيزات، واكتظاظ الفصول، مما يدفع التلاميذ إلى التسرب.

ثانيًا، تُثار تساؤلات حول استدامة برامج مثل “مدارس الفرصة الثانية”. ففي حين تُعد هذه المدارس مبادرة إيجابية، إلا أن محدودية مواردها وعدد المستفيدين منها يقلل من تأثيرها. كما أن التكوينات المهنية المقدمة لا تتماشى دائمًا مع احتياجات سوق العمل، مما يعرض الشباب لخطر البطالة بعد التخرج.

ثالثًا، ينتقد البعض الاعتماد المفرط على منظومة “مسار” لرصد التلاميذ المعرضين للانقطاع، معتبرين أنها لا تأخذ في الاعتبار السياقات الاجتماعية المعقدة، مثل الفقر المدقع أو العادات الاجتماعية التي تدفع الفتيات إلى الزواج المبكر. ويشير خبراء إلى أن برامج الدعم الاجتماعي، مثل النقل المدرسي، تعاني من نقص التمويل ومشاكل لوجستية، مما يحد من فعاليتها في المناطق النائية.

أخيرًا، تُوجه اتهامات للحكومة ببطء تنفيذ الإصلاحات المنصوص عليها في “الرؤية الاستراتيجية 2015-2030”، التي كانت تهدف إلى تحسين جودة التعليم وتقليص التسرب المدرسي. فبعد مرور عقد من الزمن، لا تزال الأرقام تظهر ارتفاع معدلات الانقطاع، مما يعكس فجوة بين الخطط المعلنة والتنفيذ الفعلي.

وجهة نظر: ضرورة نهج شامل واستثمار طويل الأمد

إن معالجة ظاهرة انقطاع التلاميذ عن الدراسة تتطلب نهجًا أكثر شمولية يتجاوز الحلول الجزئية. ففي حين تُعد مبادرات مثل “إعداديات الريادة” و”مدارس الفرصة الثانية” خطوات إيجابية، إلا أنها لن تحقق النتائج المرجوة دون استثمار كبير في جودة التعليم. يجب أن تركز الحكومة على تحسين ظروف التدريس، تكوين المعلمين، وتجهيز المدارس، خاصة في المناطق القروية، لجعل المدرسة فضاءً جاذبًا للتلاميذ.

كما ينبغي تعزيز البرامج الاجتماعية التي تدعم الأسر محدودة الدخل، مثل توسيع المنح الدراسية وبرامج الدعم المالي المشروط، التي أثبتت فعاليتها في دول أخرى. وفي الوقت ذاته، يجب تكثيف حملات التوعية لتغيير العادات الاجتماعية التي تعيق تعليم الفتيات، مع تعزيز التعاون مع الجمعيات المحلية لضمان استدامة هذه الجهود.

من ناحية أخرى، يتعين على الحكومة ربط التكوينات المهنية في “مدارس الفرصة الثانية” باحتياجات سوق العمل، من خلال شراكات مع القطاع الخاص. كما أن تعزيز الشفافية في تتبع تنفيذ الخطط الحكومية ونشر تقارير دورية حول التقدم المحرز سيعزز ثقة المواطنين في هذه الإصلاحات.

مما سبق، تُظهر خطة الحكومة المغربية لتقليص انقطاع التلاميذ عن الدراسة طموحًا لافتًا، لكنها تواجه تحديات هيكلية تتطلب حلولًا جذرية واستثمارات طويلة الأمد.

وبينما تُعد الجهود الحالية خطوة في الاتجاه الصحيح، فإن الانتقادات الموجهة للحكومة تُبرز الحاجة إلى نهج أكثر شمولية يعالج جودة التعليم، الفوارق الاجتماعية، والتحديات اللوجستية.

فالتعليم هو الركيزة الأساسية لتنمية المغرب، ومنح كل تلميذ فرصة لمواصلة دراسته ليس فقط واجبًا حكوميًا، بل استثمارًا في مستقبل الأجيال القادمة.اطلب من Grok أن يبحث أعمق

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى