خطاب العاهل المغربي: مرحلة الحسم الأممي وتثبيت مبادرة الحكم الذاتي

يمثل الخطاب الأخير للعاهل المغربي، الملك محمد السادس، منعطفاً حاسماً ومرحلة فاصلة في تاريخ المغرب الحديث، لا سيما في سياق قضية وحدته الترابية. فقد عبّر الملك عن ارتياحه لمضمون القرار الأخير لمجلس الأمن، معلناً الدخول في “فتح جديد” يهدف إلى ترسيخ مغربية الصحراء والطي النهائي للنزاع المفتعل. وقد تزامن هذا التحول التاريخي مع ذكرى المسيرة الخضراء الخمسين وذكرى استقلال المغرب السبعين.

الحسم الأممي وتثبيت الإطار الوحيد للحل

يؤكد الخطاب أن المغرب يعيش الآن “مرحلة الحسم” على المستوى الأممي. وقد انتقل المغرب في ملف وحدته الترابية من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير، وبدأت الدينامية التي أطلقها في السنوات الأخيرة تؤتي ثمارها.

إن جوهر التحول يتمثل في تحديد قرار مجلس الأمن للمبادئ والمرتكزات الكفيلة بإيجاد حل سياسي نهائي للنزاع، في إطار حقوق المغرب المشروعة. ويشير الخطاب إلى أن ثلثي دول الأمم المتحدة باتت تعتبر مبادرة الحكم الذاتي هي الإطار الوحيد لحل هذا النزاع.

وبناءً على القرار الأممي، حدد مجلس الأمن المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي تقدم بها المغرب عام 2007، بأنها الأساس الوحيد للتفاوض، باعتبارها الحل الواقعي والقابل للتطبيق. وقد أصبح هذا المقترح المرتكز الأوحد بدلاً من الأفكار المتجاوزة كـ “الاستفتاء”، الذي استحال تحقيق شروطه الموضوعية مثل تحديد الهيئة الناخبة.

ويعتزم المغرب في سياق هذا القرار الأممي تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي وتقديمها للأمم المتحدة لتشكل الأساس الأوحد للتفاوض.

الاعتراف الدولي والسيادة الاقتصادية

سلط الخطاب الضوء على التزايد الكبير في الاعتراف الدولي بسيادة المملكة، خاصة في جانبها الاقتصادي، على الأقاليم الجنوبية. وقد شجعت قرارات القوى الاقتصادية الكبرى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وروسيا وإسبانيا والاتحاد الأوروبي، الاستثمارات والمبادلات التجارية مع هذه الأقاليم.

هذا التطور يؤهل الأقاليم الجنوبية لتصبح قطباً للتنمية والاستقرار و محوراً اقتصادياً في محيطها الجهوي، بما في ذلك منطقة الساحل والصحراء. وتأكد الدعم الواسع لمبادرة الحكم الذاتي، حيث حظيت بدعم من أزيد من 140 إلى 164 دولة عضواً داخل الأمم المتحدة، بالإضافة إلى دعم 23 دولة من أصل 27 عضواً في الاتحاد الأوروبي.

وقد أعرب الملك عن شكره وتقديره للدول التي ساهمت في هذا التغيير الإيجابي، وخص بالذكر الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، التي مكنت جهوده من فتح الطريق للوصول إلى حل نهائي للنزاع، كما شكر أصدقاء المغرب في بريطانيا وإسبانيا وخاصة فرنسا.

دعوة للحوار الإقليمي وتحقيق مبدأ “لا غالب ولا مغلوب”

رغم التطورات الإيجابية، أكد العاهل المغربي أن الهدف يبقى إيجاد حل “لا غالب فيه ولا مغلوب” يحفظ ماء وجه جميع الأطراف. والمغرب، إذ يعتبر هذه التحولات انتصاراً، فإنه لا يستغلها لتأجيج الصراع والخلافات.

في هذا الإطار، وجه الملك نداءً صادقاً إلى “الإخوة في مخيمات تندوف” لاقتناص هذه الفرصة التاريخية لجمع الشمل مع أهلهم، والمساهمة في تنمية وطنهم وبناء مستقبلهم في إطار المغرب الموحد. كما أكد الملك، بصفته الضامن لحقوق وحريات المواطنين، أن جميع المغاربة سواسية، ولا فرق بين العائدين من مخيمات تندوف وبين إخوانهم داخل أرض الوطن.

كما جدد الملك محمد السادس دعوته إلى فخامة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لإجراء حوار أخوي صادق بين المغرب والجزائر من أجل تجاوز الخلافات وبناء علاقات جديدة تقوم على الثقة وضوابط الأخوة وحسن الجوار. هذا الالتزام يتجدد مع مواصلة العمل لإحياء الاتحاد المغاربي على أساس الاحترام المتبادل والتعاون والتكامل بين الدول الخمس.

إن الجهود الدؤوبة التي تبذلها الدبلوماسية الرسمية والحزبية والبرلمانية، بالإضافة إلى تضحيات القوات المسلحة الملكية والقوات الأمنية على مدار 50 سنة ماضية، كلها تهدف إلى الطي النهائي لملف الوحدة الترابية. ويُعطي الخطاب رؤية واضحة للمغرب الموحد من طنجة إلى الكويرة، والذي “لن يتطاول أحد على حقوقه وعلى حدوده التاريخية”.

رأي الجريدة:

يُمكن النظر إلى الخطاب الملكي على أنه إعلان رسمي عن تحول نوعي في قضية الصحراء، من قضية نزاع إقليمي تُدار فصوله، إلى قضية مكتملة الأركان سياسياً وقانونياً على المستوى الدولي.

فتركيز الخطاب على أن مبادرة الحكم الذاتي هي “الأساس الوحيد” يعكس نجاح الدبلوماسية في إقصاء أي مقترحات بديلة متجاوزة، وجعل خطة الرباط هي البوصلة الإلزامية للمفاوضات القادمة.

دعوة إلى الجزائر وسكان مخيمات تندوف تظهر رغبة المغرب في استثمار هذا “الانتصار” الأممي لتعزيز الاستقرار الإقليمي والمصالحة الوطنية، بدلاً من تأجيج الصراع.

إن هذه المرحلة، التي تلي تاريخ 31 أكتوبر 2025، كما ورد في الخطاب، تشبه تحويل ملف متراكم ومعقد إلى خريطة طريق واضحة المعالم، حيث أصبحت الوجهة (الحكم الذاتي) محددة بإلزام دولي، وبقي فقط التفاوض حول آليات الوصول (التفاصيل والتحيينات المغربية).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!