الحزبي والانتخابي في المشهد السياسي بإقليم جرسيف

أحمد صبار – جرسيف

يبدو المشهد السياسي بإقليم جرسيف شبيه إلى حد ما الوضع السياسي العام في المغرب الحبيب مع بعض الاختلاف، فعلى بعد سنة وشهور وعلى بعد أسابيع من التعديل الحكومي المنشود الذي دعا إليه ملك البلاد بعد أن فشلت الأحزاب السياسية فشلا ذريعا في استقطاب المثقفين العضويين وباقي الكفاءات التي قد تلعب دورها في تخليق الحياة السياسية وإعطاء دينامية جديدة للعمل الحزبي حتى يلعب دوره الأساسي في تأطير المواطنين من أجل تنمية مستدامة ترقى إلى تطلعات الشعب المغربي التواق إلى الحرية والعدالة الاجتماعية.

فنظرة بعين التتبع للشأن الوطني والمحلي بالخصوص، تسمح لك بتسجيل الفراغ السياسي القاتل والعزوف الملحوظ الموسوم بالعبث واللاعقلانية، فمجمل الأحزاب بهذا الإقليم الذي ابتلي بمنتخبين دون مستوى طموحات ساكنته، مجرد دكاكين تفتح أبوابها عند كل مرحلة انتخابية، فباستثناء حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة الدكتور توفيق بالمامون، قائد المبادرات الإنسانية والخيرية، الذي لا يتوفر على تمثيليات بكل المجالس المنتخبة بتراب إقليم جرسيف، والذي لا يزال في مرحلة البناء التنظيمي بعيدا عن العمل السياسي الميداني، والراجعة أسبابه إلى إيمان العديد من القيمين على شؤونه، أن المرحلة تستدعي البناء التنظيمي أكثر منه المشاركة السياسية، خصوصا إذا علمنا أن الحمامة رفضت دخول غمار الانتخابات البرلمانية الجزئية، وعلما أنها كانت تتوفر على أطر قادرة على قيادة نصف المرحلة، إلا أن تركيزها على البناء والتأسيس حرم من كانت لهم الرغبة في خوض التجربة ولو من باب المشاركة، وهي الفرصة التي أبت باقي الأحزاب إلا المشاركة فيها، وأعطت ممثل حزب الأصالة والمعاصرة بحكم قوته الاتخابية وممثل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بحكم المقعد الفارغ بفريق حزب الوردة بالبرلمان المغربي، بعد الطعون التي أطاحت بممثل حزب الاستقلال الذي كان قد أعد العدة وجيش البشر والحجر وصرف ميزانيات وُصفت بالهائلة.

وبالرجوع إلى نشاط باقي الأحزاب، شكلت وفاة أحد قادة حزب العدالة والتنمية والهجمات المتعددة على حزب المصباح رغبة في إضعافه،أحد الأسباب الرئيسية في غياب الحزب سياسيا، ونؤكد أنه لا يزال على قيد الحياة لكن بدون روح، فباستثناء بعض المبادرات المحتشمة والتي غالبا ما تكون ذات طابع وطني تنفيذا لبرنامج الحزب على المستوى المركزي، كاحتضان بعض القادة في أنشطة لا يتجاوز مفعولها جدران مقر الحزب، وهو الأمر الذي يلعب فيه ربان الحزب المصباح ورئيس المجلس الإقليمي “أحمد عزوزي” الدور المهم، على اعتباره أحد المنتخبين الناجحين في مهامه، مهما اختلفنا معه سياسيا، على الأقل في مقارنته بباقي المنتخبين من داخل باقي المجالس المنتخبة، إذ يعتبر صمام الأمان بهذا الحزب على المستوى المحلي لقدرته على خلق التوازن بين عدد من مكونات المجتمع الجرسيفي وبين طموحات حزبه ورغبة الداخلية في إقباره بعد مجموع الإخفاقات على المستوى الوطني، إلا أنه يبقى مرشحا كبيرا لإعادة التجربة مستقبلا سواء بلون ذات الحزب أو بلون آخر قد يفرض نفسه، خصوصا وأن جسم المصباح بإقليم جرسيف تنخره مجموعة من الصراعات الداخلية ولو كانت غير بادية للعلن، إلا أنها أثرت في نشاطه وتواجده.

وبالنسبة لحزب الأصالة والمعاصرة، فيبقى رقما مهما في المعادلة السياسية والانتخابية بإقليم جرسيف، وذلك بتواجده إلى جانب حزب المصباح وحزب الميزان بجل المجالس، ويلعب أدوارا طلائعية تخول لقائده محمد البرنيشي، الخبير في شؤون الانتخابات والماسك بخيوط اللعبة وصاحب الوزن الاقتصادي، الأمر الذي سيسمح له لا محالة في العودة إلى تسيير مجلس جماعة جرسيف أو مجلس عمالة جرسيف أو هما معا، إن هو فطن إلى دور العمل السياسي المستمر وتمكن من اختراق بعض تنظيمات المجتمع المدني، ومن استقطاب بعض الوجوه المؤثرة والتي تتميز بحسن السيرة والسلوك وحبها لمصلحة إقليم جرسيف، إلا أنه ورغم هذا وذاك، يبقى عمل حزب الأصالة والمعاصرة الحزبي والسياسي شبيه، إلى درجة التطابق، بعمل ونشاط باقي الأحزاب الأخرى ولا يختلف عنهم قيد أنملة، يميزه الركوض والجمود وانتظار المرحلة.

حزب آخر، يقود جماعتين قرويتين مهمتين، جماعة هوارة أولاد رحو وجماعة تادرت، لا تجد له أثرا يذكر على المستوى الحزبي والسياسي، لكن وككل مرحلة يحسم رمز السنبلة بإقليم جرسيف “مولاي أحمد السنوسي” في رئاسة جماعته بل يتعداها إلى المشاركة في الانتخابات البرلمانية وهو الذي مثل دائرة جرسيف في الولاية السابقة، ناهيك عن صاحب التجربة وقائد جماعة تادرت القروية المهندس “عبد الرحمان المكرود” الذي تمكن من رئاسة جماعته بثلاثة عناصر لم تكن لتؤهله لحيازة هذا المنصب، وهو الذي أعطى الكثير لهذه الجماعة ويعتبر هو الآخر أحد المتفوقين في لعب دور المنتخب المستفيد من خدماته الموجهة للصالح العام، إلا أنه ورغم كل هذا، يغيب حزب الحركة الشعبية عن الساحة السياسية المحلية بشكل ينسيك حتى في رمزه.

ويعتبر حزب الاستقلال أحد الأحزاب التي تقود عددا من المجالس المنتخبة، ويترأس عاصمة الإقليم، جماعة جرسيف، والتي كانت سيؤهله للعودة في الولايات المقبلة من أبوابها الواسعة، إلا أن مجموعة من الأخطاء ومجموعة من الصراعات الداخلية، عصفت وستعصف بشعبية هذا الحزب المصنف في خانة الأحزاب الوطنية التي لا تتخلى عنهم الداخلية في خلق التوازن السياسي محليا ووطنيا، فبغض النظر عن تجربته السياسية التي خلقها “مناضلوه” على الورق فقط، ورغم فرصه الذهبية في القدرة على البناء التنظيمي وتصليب عود الميزان بهذا الإقليم، إلا أنه أفسدتهما التجربة الانتخابية، خصوص من داخل جماعة جرسيف الحضرية، التي اتسمت بالارتجالية في التسيير والتدبير والمحاباة في التعامل مع فعاليات المجتمع المدني ومع عموم المواطنين والمواطنات، ليتقاطع حزب الاستقلال وبشكل كبير مع باقي التنظيمات السياسية المهددة بالسكتة القلبية محليا، والتي قد تعصف بطموح رموزه في العودة إلى تسيير وتدبير الشأن المحلي في الآتي من الاستحقاقات الانتخابية.

على العموم، وبعد هذا التحليل المتواضع لواقع الحال بالمشهد السياسي بإقليم جرسيف، يُجمع جل المتتبعين للشأن العام على الفراغ السياسي والحزبي بهذا الجزء من تراب المملكة المغربية، كما يخلص العديد منهم إلى أن جل، وأقول جل وليس كل، المنتخبين أبانوا عن ضعف فضيع وعن بعد كبير، بعد السماء عن الأرض، عن العمل السياسي والحزبي والانتخابي الحقيقي، القادر على الدفع بعجلة التنمية وتحقيق طموحات المنتخبين والمنتخبات المنشودة، مما يفرض على الأحزاب مركزيا التريث والتفكير المتأني قبل منح تزكياتها، واختيار من يمثلها تمثيلا لا يسيء لسمعة من ضحوا واستشهدوا في سبيل استمرار هذا الحزب أو ذاك، فلتعيدوا الاستماع إلى الخطاب السامي لملك البلاد الأخير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى