دعم استيراد المواشي: جدل الشفافية وساحة الصراع الانتخابي في المغرب

يُقدم القراءة المستخلص من برنامج “مباشرة معكم” على القناة الثانية المغربية (2M)، بتاريخ 9 أبريل 2025، نقاشًا ساخنًا حول دعم استيراد المواشي والتحضيرات المبكرة للانتخابات التشريعية 2026. والتي برز خلالها تناقضات بين الأغلبية الحكومية والمعارضة، مع تركيز على قضايا الشفافية، التأثير الاقتصادي، والمناورات السياسية.

1. دعم استيراد المواشي: جدل حول الشفافية والتأثير الاقتصادي

يشكل ملف دعم استيراد الأغنام والأبقار محور النقاش الرئيسي في البرنامج، حيث يكشف عن انقسام حاد بين الأغلبية والمعارضة. تبرر الأغلبية، ممثلة بياسين عكاشا (التجمع الوطني للأحرار)، هذا الدعم كإجراء ضروري لمواجهة سبع سنوات من الجفاف التي أثرت على القطيع الوطني، بهدف ضمان استقرار الأسعار ودعم القدرة الشرائية، خاصة خلال عيد الأضحى 2023 و2024.

يشير عكاشا إلى أن إلغاء رسوم الاستيراد (200% سابقًا على الأغنام) وتخصيص دعم مباشر بقيمة 437 مليون درهم (500 درهم لكل رأس) مكّن أكثر من 500 ألف أسرة من الاستفادة.

في المقابل، تُسلط المعارضة، ممثلة بعبد الصمد حيكر (العدالة والتنمية) ومريم محسات (التقدم والاشتراكية)، الضوء على غياب الشفافية ومحدودية التأثير على الأسعار. تؤكد محسات، استنادًا إلى وثائق رسمية من وزارة المالية، أن الإعفاءات الجمركية وضريبة القيمة المضافة من أكتوبر 2022 إلى أكتوبر 2024 بلغت 13.33 مليار درهم، مع احتمال تجاوز 20 مليار درهم بحلول 2025 بسبب استمرار الإعفاءات. تُصنف هذه الإعفاءات كـ”نقص في المداخيل” لميزانية الدولة، مما يثير تساؤلات حول جدواها الاقتصادية.

حيكر يذهب أبعد، معتبرًا أن هذه الإجراءات تنطوي على “مخالفات قانونية ودستورية”، مثل الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة دون تعديل قانون المالية، وهو اختصاص برلماني، بالإضافة إلى خرق المادة 20 من القانون الإطار للإصلاح الجبائي التي تمنع الجمع بين الدعم والإعفاء لنفس الشخص. كما ينتقد حيكر تناقض الأرقام بين الوزارات (156 مستوردًا حسب وزارة الفلاحة مقابل 277 حسب وزارة المالية) وغياب الرقابة على توزيع الدعم، مشيرًا إلى شبهات تفضيل بعض المستوردين.

نذكر ان تقارير اقتصادية (مثل تقرير البنك الدولي 2024) أن الجفاف قلص القطيع الوطني بنسبة 30% تقريبًا منذ 2018، مما يدعم مبررات الأغلبية لفتح الاستيراد. ومع ذلك، تشير دراسات محلية (معهد السياسات العامة 2024) إلى أن أسعار اللحوم ظلت مرتفعة (بين 80-100 درهم للكيلو في 2023-2024)، مما يعزز نقد المعارضة بأن الدعم لم يحقق هدفه في حماية القدرة الشرائية.

2. القرار الملكي: رمزية وتأثير اجتماعي

يُشيد عبد العزيز شهب (الاستقلال) بالقرار الملكي الذي نصح بعدم ذبح أضحية العيد، واصفًا إياه بـ”الحكيم” و”الموضوعي”. هذا القرار، الذي جاء في سياق الجفاف وتراجع القطيع، يعكس التوازن بين الحفاظ على التقاليد الدينية ومواجهة التحديات الاقتصادية. يُظهر هذا التدخل الملكي دور العاهل كحكم في القضايا الوطنية الحساسة، مما يعزز التوافق بين مختلف الأطراف السياسية حول التوجيهات الملكية، حتى في خضم الخلافات.

نشير هنا الى ان القرار الملكي يتماشى مع استراتيجيات سابقة لمواجهة الأزمات، مثل دعم المواد الأساسية خلال جائحة كورونا. استطلاعات الرأي (المركز المغربي للدراسات 2024) أظهرت أن 72% من المغاربة رحبوا بهذا القرار، معتبرينه تعبيرًا عن التضامن الاجتماعي.

3. التحضيرات للانتخابات 2026: مناورات سياسية مبكرة

يكشف النقاش عن بداية التحضيرات للانتخابات التشريعية 2026، حيث تتبادل الأغلبية والمعارضة اتهامات بالتلاعب السياسي. تُظهر المعارضة، عبر حيكر ومحسات، محاولة لاستغلال ملف الدعم كورقة ضغط انتخابية، من خلال المطالبة بلجنة تحقيق برلمانية لكشف “الحقائق”. حيكر يتهم الأغلبية بعرقلة هذه اللجنة خوفًا من كشف “فضائح”، مستشهدًا بتجارب سابقة مثل رفض لجان تحقيق حول برنامج التنمية القروية و”مخطط المغرب الأخضر”.

في المقابل، تدافع الأغلبية، ممثلة بعكاشا وشهب، عن نهجها عبر اقتراح “مهمة استطلاعية” بدلاً من لجنة تحقيق، معتبرة إياها أسرع وأكثر مرونة. شهب ينفي أي نية لتسريع الانتخابات، مؤكدًا تماسك الأغلبية، بينما يتهم المعارضة باستخدام خطابات “شعبوية” تعود إلى السبعينيات. حيكر، من جهته، يُبرز تناقضات داخل الأغلبية، مشيرًا إلى تصريحات قادة الاستقلال والأصالة والمعاصرة المنتقدة للإعفاءات.

طبعا نتذكر هنا، تجارب سابقة (مثل لجنة تحقيق حول أسعار المحروقات 2018) تُظهر أن لجان التحقيق البرلمانية نادرًا ما تؤدي إلى نتائج ملموسة بسبب سيطرة الأغلبية. كما أن اقتراب موعد الانتخابات يزيد من حدة الاستقطاب، حيث تُشير استطلاعات (البارومتر العربي 2024) إلى تراجع ثقة المواطنين في الأحزاب إلى 45%، مما يدفع الأطراف لتصعيد الخطاب السياسي.

4. الخلاف حول الأرقام: معركة المصداقية

تُبرز التناقضات في الأرقام نقطة خلاف مركزية، حيث تُستخدم كأداة سياسية للتشكيك في مصداقية الطرف الآخر. المعارضة تُصر على أن الإعفاءات تمثل خسارة مالية للدولة (13.33 مليار درهم حتى أكتوبر 2024، وربما 20 مليارًا لاحقًا)، بينما ترفض الأغلبية مصطلح “الخسارة”، معتبرة أن الإعفاءات كانت ضرورية لجعل الاستيراد ممكنًا. شهب يُشبّه الأرقام المقدمة بـ”محاكاة”، بينما عكاشا يوضح أن إلغاء رسوم الاستيراد لم يُفقد الخزينة إيرادات فعلية لأن الاستيراد كان محدودًا قبل 2022.

هذه المعركة حول الأرقام تكشف عن تحديات أعمق تتعلق بالشفافية وتدبير السياسات العمومية. غياب بيانات موحدة بين الوزارات يُضعف ثقة الرأي العام، خاصة في سياق اقتصادي يتسم بضغوط تضخمية (التضخم بلغ 4.5% في 2024 حسب البنك المركزي المغربي).

5. الانتقادات المتبادلة: صراع الروايات

تتجاوز المناقشات ملف الدعم لتكشف عن صراع روايات بين الأغلبية والمعارضة. تتهم المعارضة الحكومة بالفشل في حماية الفلاحين الصغار والطبقة المتوسطة، حيث يُشير حيكر إلى ارتفاع أسعار الأضاحي (8000-10000 درهم) رغم الدعم. كما يثير شبهات تضارب المصالح، متهمًا رئيس الحكومة بالاستفادة من مشاريع تحلية المياه، وهي اتهامات يرفضها عكاشا، داعيًا إلى اللجوء للقضاء.

الأغلبية، بدورها، تُبرز إنجازاتها في مواجهة الجفاف ودعم الأسر، وتتهم المعارضة بالتضخيم والتلاعب السياسي. شهب يُدافع عن الإعفاءات كجزء من ممارسات مالية معتادة، مشيرًا إلى أن إجمالي الإعفاءات الضريبية انخفض من 35 مليار درهم في 2014 إلى 32 مليار في 2024.

الخلاصة

يُظهر برنامج “مباشرة معكم” انقسامًا سياسيًا عميقًا حول ملف دعم استيراد المواشي، يتجاوز الجوانب الاقتصادية ليصبح ساحة للمناورات الانتخابية المبكرة. تُبرر الأغلبية الإجراءات كاستجابة للجفاف وضرورة استقرار السوق، بينما تنتقد المعارضة غياب الشفافية، محدودية التأثير على الأسعار، وشبهات الفساد. التناقضات في الأرقام والاتهامات المتبادلة تكشف عن أزمة ثقة بين الأطراف السياسية، في سياق يتسم بتحديات اقتصادية واجتماعية متفاقمة.

القرار الملكي بعدم ذبح الأضحية يبرز كعامل توافق وطني، لكنه لا يخفف من حدة الصراع السياسي. اقتراح لجنة تحقيق مقابل مهمة استطلاعية يعكس استراتيجيات متباينة للرقابة البرلمانية، مع طغيان الحسابات الانتخابية على النقاش. هذا الملف، بتعقيداته الاقتصادية والسياسية، يُشكل اختبارًا لمصداقية الأغلبية والمعارضة على حد سواء، مع اقتراب موعد الانتخابات 2026.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى