التعليم … بين حكومة المصالح ونقابات المقاعد واساتذة المطالب

محمد الأنسي هارون

1- لماذا تدافع النقابات باستماتة عن الفئات الاخرى دون هيئة التدريس ؟

الجواب يكمن في التقطيع الإنتخابي للانتخابات المهنية (اللجان الثنائية) و عدد الأصوات اللازمة للحصول على عدد المناديب. فلكي تحصل نقابة على مندوب واحد بواسطة هيئة التدريس يلزم حوالي 400 إلى 500 و حتى 600 صوت لهيئة التدريس.

بينما فئة المتصرفين أو المهندسين فعشرة متصرفين يعطون مندوبا واحدا، و ثلاثة مهندسين يعطون مندوبا واحدا و 50 متصرفا تربويا يعطي 8 مناديب… و هكذا بالنسبة للمساعدين التقنيين، الإداريون، المحررون، الممونون…إلخ مما يعني ان النقابات “الأكثر تمثيلية” كانت تعمل على هيئات غير هيئة التدريس، و تعمل على إستقطاب الممونين، المساعدين الإداريين، المتصرفيين دون الحاجة لإستقطاب هيئة التدريس.

هذا القانون، يجعل هيئة التدريس دون وزن انتخابي و بالتالي دون اهتمام من النقابات و النتيجة اهتمام النقابات بحل ملفات الهيئات التي تصوت عليها و لا تهتم بهيئة التدريس . لذا فجزء من الأزمة الحالية يتحمّله التقطيع الانتخابي المجحف في حق هيئة التدريس.

و النتيجة اليوم صادمة للنقابات و صادمة للوزارة و صادمة للحكومة و صادمة للمجتمع…. ولم تعد هيئة التدريس تثق في أية مؤسسة و صارت عازمة على انتزاع حقوقها (واقفة على شغلها) خشية التعرض (للقولبة).
هذا مصير الديموقراطية الشكلية التي لا تفرز قوة هيئة التدريس و مكانتها المحورية في المنظومة التعليمية

2- لماذا تراهن الحكومة على إنهاء الاحتقان بقطاع التعليم، بسرعة:

قد يعود ذلك لسببين أو دافعين:

السبب الأول : ضغط لوبي القطاع الخاص، الذي أصبح يعي خطورة مواصلة الاحتجاجات التي قد تجهز على السنة الدراسية، فإعلان سنة بيضاء معناه أنها بيضاء حتى على المدارس الخصوصية، مما سيدخل آباء وأمهات وأولياء التلاميذ فيها لاحتجاجين . فمن جهة ضد القطاع العمومي ووزارة التربية الوطنية بسبب عدم إيجاد حل و تعطيل السنة الدراسية ومعها ضياع سنة دراسية على أبنائهم. ومن جهة ثانية ضد إدارات المدارس الخصوصية لاسترجاع المبالغ الشهرية التي كانوا يؤدونها، وانكسار الثقة في المقاولات التعليمية.

السبب الثاني : ضغط جهات عليا على الحكومة لحلحلة الملف بأقل الخسائر الممكنة، خصوصاً بعد تفاقم الوعي الاجتماعي بسبب الاحتجاجات المتواصلة، ما أزعج لوبيات اقتصادية، تخاف من انتشار عدوى الاحتجاج التي قد تهدد مصالحهم.

خاصة بعد اقرار ميزانية 2024 و تفعيل الزيادات المرتقبة في قانون المالية لهذه السنة، كما أن هذه الجهات تحمل في نفس الوقت الحكومة مسؤولية ما ستؤول إليه الأوضاع، في ظل تراخيها أمام هذا الاحتقان.

وفي نفس الوقت ضغط نفس الجهات عليها أن لا تتنازل عن خيار الجهوية، كمشروع يراد تعميمه، تنزيلا لاتفاقات دولية، مع القطاعات الخاصة للاستثمار بقطاعات حيوية في الدولة، ولو بحل جميع الملفات إلا هذا الملف، لذلك فحلحلة ملف الأساتذة ضحايا التعاقد، هو عقدة حل جميع الملفات، والذي يجب على الأساتذة جميعاً حمايته و الدفاع عنه

3- هل ستكون الحكومة امام مأزق الشرعية مع نهاية هذا الشهر:

يبدو ان الأمور بدأت تأخذ منحى خطير، ويلوح بتهديدات كبيرة على مستقبل السنة الدراسية، والعائق امام مبادرات الحكومة هما دافعان أساسيان :

الدافع الأول : الوحدة الأستاذية بمختلف مكوناتها، جعلت أية إجراءات إدارية على المحتجين خارجة عن الصبغة القانونية، لعدم وجود أدلة على العصيان المدني أو الخروج عن مسطرة الوظيفة العمومية، وانعدام وجود مبرر قانوني لسلوك أي مسطرة قانونية ضدهم، في ضل غياب أي بديل واقعي أو موضوعي لهم.

الدافع الثاني : أن الحكومة أصبحت تعي، حجم الخسارة المرتقبة، إذا استمر الإضراب، و هي تعلم اليوم أن النقابات لا تمثل أحدا، وأن هيئة التدريس هي المسيطرة ميدانيا، وأن السبيل للوصول إلى السادة الأساتذة لفك وتفكيك وحدتهم هو نقابة التوجه الديموقراطي FNE، كمكون أساسي داخل التنسيق الوطني القطاعي، لذلك قبلت الوزارة حضور ممثلي التنسيقيات أمس البارحة، حتى تعرف فقط حجم قوة التنسيق، والإطارات الأخرى، ورفضت حضورهم أمس، لأنها تسعى للاستفراد بنقابة FNE و إقناعها بمحضر 10 دجنبر 2023، ولو بتوقيع محضر منفرد يضم اتفاقات أخرى إضافية.

إن اللجنة الحكومية ومن وراءها، قد تبنّت استراتيجة المواجهات المتعددة، حيث إنها بعد اتفاق 10 دجنبر، ومواصلة حوارها لتنزيل بنوده مع النقابات الأربعة، تسعى في نفس الوقت لفتح جبهات الحوار مع باقي الإطارات النقابية وذلك بدعوة جميع النقابات حتى الأقل تمثيلية، لإقناعهم ورقيا بتبني محضر 10 دجنبر 2023 بغية عزل الأساتذة عن بعضهم، بحل ملفات فئوية و تفكيك اللحمة الأستاذية، خصوصاً عزل الأساتذة أطر الوزارة عن الأساتذة أطر الأكاديميات، لأن المساطر القانونية في حق أطر الوزارة أكثر تعقيدا و صلابة و تكلفة من المساطر التي يمكن سلوكها والتلاعب بها ضد أطر الأكاديميات، بسبب تذبذب وضعيتهم المهنية وعدم استقراراها.

وإذا فشلت مناورات اللجنة الحكومية، قبل الفاتح من يناير المقبل، ودخول السنة الجديدة، وتفعيل قانون الميزانية، ومعه تفعيل برامج أخرى متعلقة بالدعم والحماية الاجتماعية، فإنها ستجد نفسها أمام جبهات متعددة، وجب عليها الالتزام بتنزيلها، وأمام تصاعد الاحتجاج و عدم تعليق الإضراب، وتواصل الاحتقان الذي قد يصل للمتضررين من الفئات الهشة من شروط الاستفادة من الدعم بعد الزيادات المرتقبة، فإن الدولة قد تشعل فتيلا لاحتجاجات شعبية عارمة.

4- شرعنة الاضراب

يبدو ان ما تبقى من عمر هذا الشهر، هو الوقت بدل الضائع من عمر المحاولات الحكومية لإيقاف الاحتجاج وتعليق الإضراب، وإيجاد حل لملفات قطاع التعليم.

وعليه، فقد تلجأ الحكومة كآخر دواء من الكي، إلى المصادقة على قانون الإضراب، بشكل فجائي واستعجالي، بالاتفاق مع النقابات المركزية، وتفعيله بداية من السنة الجديدة، لكبح أي احتجاج، وتبرير أي إجراء إداري أو جنحي أو حتى جنائي ضد الأساتذة المضربين ومنهم، أيضا الاحتجاجات المتوقعة مطلع السنة القادمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى