أدوار المجتمع المدني في التواصل والحوار والتعاون الثقافي العربي والدولي

الاستاذ: خالد سلي

تجربة جمعية سيني مغرب نموذجا

     أشير في البداية أنني ربما أتقن التعبير من وراء الكاميرا بحكم مهنتي كمخرج، أحسن بكثير من تعبيري بالكلمات، لذا أردت أن تكون مداخلتي مختلفة عما قيل حيث أريد من خلالها عرض تجربة متواضعة خاصة، لجمعية سيني مغرب وهي الجمعية المسيرة للمهرجان المغاربي للفيلم حتى أعطيكم نظرة ميدانية وتجربة حية وللتذكير حذفت منها جانب المعاناة الذي لا أريد أن أذكره هنا حفاظا على الجانب التفاؤلي الذي أعطي له الأولوية دائما، ولم أفقده يوما ولا أتمنى أن أفقده في يوم من الأيام.

       حكايتي مع السينما هي حكاية تتقاطع مع الكثيرمن  أبناء جيلي، منذ أمد بعيد يمتد لأكثر من 4 عقود. لقد كان الحي الذي ولدت فيه ( حي بودير بوجدة) محاصرا بالقاعات السينمائية إبان مجدها التليد ، بين سينما فوكس وهي بالمناسبة، أول دائرة للفنون الجميلة بالمغرب، سينما الفتح  وسينما المعراج، وعلى بضع عشرات الأمتار كانت تقع قاعة النصر، وبعيدا عنا شيئا ما كانت قاعتا باريز وكوليزي. بين هاته القاعات كلها نشأت، كنا أتنقل بينها، لأشاهد أفلاما مختلفة، أفلام الويستيرن والهنود الحمر، الأفلام الهندية، أفلام الكاراطي، أفلام الحركة وغيرها. كنا مولعين بالسينما والممثلين لدرجة أننا كنا نسمي بعضنا البعض بأسماء الأبطال حسب الشبه، فقد كان منا Lee van cleef، steve Maquenne.، Bruce Lee، Zoro، عبد الحليم، البطل كنا نسميه ” اليشير”

       بدأ التلفزيون في غزو البيوت لينافس السينما، خاصة في أواخر الستينات وفترة السبعينات، لنضيف إلى قاموسنا أسماء أخرى لأبطال لم نشاهدهم في قاعات السينما، لقد كنا في شرق المغرب آنذاك نتابع التلفزة الجزائرية أكثر من متابعتنا للتلفزة المغربية، مسلسلات لا زالت خالدة عندنا، كمسلسل الحريق مثلا الذي كنا نتابع حلقاته الطويلة بكل شغف. لقد سكننا الممثلون الجزائريون وسكنتنا أفلام الثورة، سيد علي كويرات، حسن الطيرو، وردية، بهية راشدي المفتش الطاهر وغيرهم كثير. أفلام لا زلت أذكرها، ” كرنفال في دشرة، الأفيون والعصا، معركة الجزائر وغيرها كثير، استمتعنا بها وعشقناها.

      بدأت في إخراج أفلام قصيرة وأشرطة وثائقية بدأت تدخلني إلى عالم السينما شيئا فشيئا، وهو الأمر الذي خول لي الاستفادة من دورات تكوينية وتداريب مكنتني من أدوات صناعة أفلام وقد أخذت بعض أفلامي جوائز وطنية.

 حضرت المهرجان الوطني للفيلم في 2002 بوجدة، وأعتقد المهرجان المغاربي في دورته الأولى سنة 2005، بعدها لم يعد هناك وجود للسينما بمدينة وجدة، أغلب القاعات إن لم أقل كلها أغلقت… كارثة.

      صرت أحضر وأشارك في العديد من المهرجانات بالمغرب حتى سنة 2012، قررت مع بعض الأصدقاء، أن نخلق مهرجانا وطنيا بمدينة وجدة حتى يتسنى للجمهور على الأقل مشاهدة أفلام مغربية جديدة. مرت الدورة الأولى بسلام، بمساهمة مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، في قاعة جميلة جدا وحضور كبير للجمهور والذي كان ملفتا جدا. بدا الناس يتكلمون عن النجاح منذ الدورة الأولى، بدأت المنابر الوطنية تتكلم عن مهرجان أسسه بعض السينيفيليين بوجدة، له جمهور وبنية تحتية وتنظيم محترم. فكما تعرفون وجدة المدينة الألفية، زيادة على تاريخها الحضاري وتميزها بالحضور الثقافي على الساحة الوطنية منذ القديم، سينما فوكس كانت أول دائرة للفنون، احتضنت الطرب الغرناطي وكانت مهدا له، أول محطة قطار بالمغرب، أول ثانوية عصرية بالمغرب، أول مدرسة ابتدائية عصرية بالمغرب والآن أصبحت تتوفر على مسرح محمد السادس الجميل ، المولودية الوجدية أول فريق مغربي حصل على كأس العرش، مسرح الهواة الذي كان حاضرا بالمغرب بفرقه الكبيرة بقوة، المسرح العمالي، الشعبي، الطلائعي وغيرها من الفرق، وقد أنتجت أيضا أسماء كبيرة في كل ميادين الثقافة، ميكري، بوشناق في الموسيقى، الإخوان الدرقاوي، كمال كمال في السينما، محمد مسكين في المسرح وغيرهم كثيرون ، قلت،  وجدة أصبحت زيادة على كل هذا التاريخ الحافل، مؤهلة ببنية تحتية لا تتوفر عليها الكثير من المدن العريقة ،  وقد كان لصاحب الجلالة الفضل في هذه المنجزات، حيث رسم لها معالم عاصمة للدول المغاربية.

       صرنا نتساءل، مهرجان وطني للسينما بمدينة وجدة شيء جميل، ولكن هناك شيء ما ينقصنا، فكرنا قليلا، ربطنا الماضي بالحاضر، استحضرنا الطفولة، وذلك التاريخ الذي يربطنا بالسينما الجزائرية، والتلفزيون الجزائري، وبنسبة أقل السينما التونسية، والعلاقات التي كانت تربطنا بأصدقائنا الجزائريين، بحكم أن الكثير منهم كانوا ” أولاد الحومة”  وهاجروا إلى الجزائر، قلنا لماذا لا ننظم مهرجانا للسينما المغاربية، أنجزنا ملفا للدعم أمام لجنة دعم المهرجانات التابعة للمركز السينمائي، دافعنا عن المشروع، قبل ودعم في الحين، شاءت الصدف أن يقدم الإخوان في مدينة القنيطرة، مشروعا لمهرجان مغاربي بالقنيطرة، رفض في الحين وأبلغوا بأن مدينة وجدة تمتلك الشرعية المطلقة لتنظيم مهرجان مغاربي وما عليكم إلا أن تفكروا في تيمة أخرى.

      المهم نظمنا الدورة الثانية وقد جاءت متطابقة بحكم أن المركز السينمائي كان قد نظم الدورة الأولى في 2005، حضر نجوم من مختلف أقطار المغرب الكبير وخاصة من الجزائر كنا نعرفهم حق المعرفة، حضر أحمد راشدي مخرج فيلم الأفيون والعصا، حضرت بهية راشدي ممثلة دور للا عيني في مسلسل الحريق، حضر سيد علي كويرات ومع توالي الدورات بدأنا نستضيف تقريبا كل رموز السينما المغاربية وخاصة الجزائريون منهم.

        في 2014 نظمنا الدورة الثالثة وبعدها ارتأى المنظمون في الجزائر العاصمة وخاصة المقربين من دوائر القرار، تنظيم الدورة الأولى  للمهرجان المغاربي للفيلم بالجزائر العاصمة وبميزانية ضخمة، ردا على المهرجان المغاربي في وجدة، حيث كنت من بين المدعوين، كان معي ميكري، رشيد الوالي، عبد الفتاح النكادي، حسن بن جلون وغيرهم من المغاربة، لقد كنا نحس أثناء حضورنا بأننا بين أصدقائنا حقا والذين كانوا يتهافتون على استقبالنا في منازلهم وفي مطاعم خارج الفنادق. في 2015 وفي الدورة الرابعة حظينا بشرف الحصول على الرعاية السامية، وقد كان ذلك اعتراف بأننا في الطريق الصحيح، وفي نفس الوقت إشارة بأن الأمور يجب أن تمأسس ، لأن الاشتغال بشكل فردي كجمعية لن يوصل المهرجان إلى بر الأمان وسينهي هذه التجربة، طال الزمان أو قصر. في الحقيقة أننا لم نكن قط وحدنا في الميدان منذ الدورة الأولى، في البداية كانت الأكادية الجهوية للتربية والتكوين بحكم أنني كنت موظفا في التعليم، مركز الدراسات، وبعدها جاءت المصاحبة والدعم لوكالة تنمية أقاليم جهة الشرق، وجميع المؤسسات المنتخبة، كما لا يمكن لي إلا أن أحيي السلطة المحلية والتي لم نكن لننجح لولا دعمها الكبير للمهرجان، الجمعيات، الجمهور، الصحافة كلها دعمت التجربة.

انطلاق من الدورة الخامسة، توالت الشراكات لمأسسة المهرجان، وقعنا شراكة مع جامعة الأول لأنشاء ماستر في السينما والثقافة. شراكة مع غرفة المنتجين بالمغرب، جمعية المخرجين والمؤلفين وفي الدورة المقبلة سنوقع شراكة مع جمعية النقاد وجمعية كتاب السيناريو.    

          بدأ المهرجان في التطور دورة بعد أخرى حيث صار أصدقاؤنا من كل بقاع العالم يشيدون برقي مستوى التنظيم ومستوى الأفلام واللقاءات الفكرية وخاصة الحميمية. ومعه تتطور علاقتنا بأصدقائنا المغاربيين وخاصة منهم الجزائريين. بدأنا عملنا كسينمائيين فقط، لكن شيئا فشيئا بدأن نؤمن بأن عملنا سينمائي حقا لكن بأبعاد سياسية بل وأصبحنا بالضبط   نشتغل في ما يسمى الديبلوماسية الثقافية. وتوالت الاعترافات والشهادات من الحضور بأننا على الدرب الصحيح، أما ضيوفنا من الخارج فقد كانوا يعترفون كلهم بما حققه المغرب على جميع المستويات والتي لا يراها ربما بعض المتشائمين.

       لم نرد للمهرجان أن يبقى المهرجان مقتصرا على السينما المغاربية حتى يكبر أكثر فأكثر، لذا خلقنا فقرة لسينما الضيف، بدأنا بالسينما المصرية، السنة الماضية السينما اللبنانية، والسنة المقبلة ستكون السينما الفرنسية هي الضيف.

هنا أردت أن أسرد بعض الوقائع التي حدثت أثناء الدورات المتتالية وأترك لكم التعليق:

  • قناعة وشهادة المثقفين الجزائريين الذين حضروا معنا  وحتى أمام وسائل الإعلام بان الوحدة المغاربية حاصلة على الصعيد الثقافي، وهي التي ستعبد الطريق أمام الوحدة السياسية، زيادة على تعاطفهم مع قضية وحدتنا الترابية.
  • العلاقات والصداقات التي تربطنا مع الوفود والأصدقاء المغاربيين وخاصة الجزائريين منهم  هي علاقات نوظفها دائما من أجل التقريب بين المغاربيين.  
  • نحن بصدد التحضير لعمل سينمائي مغاربي يقرب أكثر شعوب المنطقة، بين المهنيين المغاربة والجزائريين.

عندي كذلك بعض الملاحظات التي تجعلني أكثر تفاؤلا:

– الجمهور الذي أصبح يتابع أنشطتنا، أصبح كبيرا نوعيا سنة بعد أخرى، فحين نعرض فيلما مثلا، صرنا لا نجد صعوبة في استقبال عدد كثيف يصل إلى  1200   بواسطة الفيسبوك فقط، في فيلم لحنش أعلن عداد المسرح عن دخول أكثر من 1600 متفرج، كتب على إثرها أحد أصدقائنا النقاد الجزائريين الذي قال على حد علمي لم يشاهد عبر العصور فيلم في العالم العربي بأكثر من 1300، هذا العدد يكون ولو في أفلام مؤدى عنها، لأن المسالة أصبحت مسألة ثقة، عمل جيد يساوي جمهور كثيف تتعزز الثقة.

  • التغيير في بنية الجمهور ونوعيته، مع توالي الدورات، من متفرجين أغلبهم عاديين إلى سينيفيليين، ساهم في ذلك الندوات الورشات les master class سينما المؤلف.. هذا الطرح يتصدى للعدميين الذين لا يتوانون عن وصف الجمهور بأحط النعوت. جمهور ما يفهم والو، مكلخ، لقد كنا نعاني في الدورات الأولى مع بعض المتفرجين الذي يصرون على دخول قاعة العرض رغم بداية الفيلم بل وسمعنا بعض الكلمات النابية، لكن مع توالي الدورات والتزمنا نحن المنظمون بضوابط التنظيم، فصار الجميع يمتثل.

– في ظل إغلاق جميع القاعات السينمائية، قامت جماعة وجدة بإنشاء قاعة سينمائية بمواصفات عالية ستشتغل قريبا ولو لم تكن الجمعية والمهرجان وما حققه، لما كان للجماعة أن ترى جدوى من إنشائها.

 هناك وقائع وأحداث أخرى أرى أن إثارتها مهمة في هذا الظرف بالضبط بالنسبة للعمل الجمعوي.

  • نطلب من شاب ألا يكون عنيفا ولا يكسر في الملاعب، ولكن ماذا عملنا لمجابهة هذا العنف، أنا اتابع خاصة الأطفال الذي ينخرطون في جمعيات الطرب الغرناطي وأتابع مساراتهم، ناجحون بنسب مئوية عالية/ يتواصلون يتوفقون في دراستهم، يندمجون بكل السلاسة المطلوبة، طريقة اللباس، طريقة الأكل طريقة الخطاب. وما يمكن أن أقوله عن الطرب الغرناطي يمكن أن أقوله على تجارب فنية أخرى، المسرح، السينما، الفنون التشكيلية، إذن الثقافة هي الحل لنبذ كل أشكال العنف والتطرف.
  • كما أن لنا تجربة أخرى في إطار إنشاء الأندية السينمائية في المؤسسات التعليمية، والتي لم يعد لها وجود في المركبات الثقافية.
  • تجربة فيزا فور ميزيك التي أصبح فيها شبابنا يجدون سوقا لتسويق منتوجاتهم،

في الأخير أنهي مداخلتي  بتذكر سؤال كان قد وجهه لي أحد كبار المسؤولين للإدارة الترابية والذي  قال لي: أتعرف لماذا ندعمكم  ونقدر ما تقومون به؟ قلت لماذا؟ قال لي لأنكم تصنعون الفرحة والسعادة لدى الساكنة، فحين تحل فترة المهرجان نلاحظ  الفرحة التي تسري بالمدينة وفرحها بضيوفها، وقد زاد هذا المسؤول لجمعيتنا دورا آخر هو إدخال الفرحة والسعادة على الساكنة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى