هل دخلت القضية الفلسطينية مضمار الصراع الاستراتيجي ؟.

أين تتجه الأحداث في منطقة الشرق الأوسط؟. وما موقع الدول العربية من هذه التطورات المتسارعة التي تهدد الأمن الإقليمي للمنطقة؟ .
ان تطور الصراع بهذا الشكل ،وبعد أن تراكمت الكثير من المعطيات ، يمكن القول ان ما حدث في البداية واقصد طوفان الاقصى لم يكن عملية خاصة بطرف معين من فصائل المقاومة.
وقرار الإقدام علي هذه العملية لم يكن دون علم وتخطيط مسبق من طرف باقي القوى الدولية الفاعلة في المنطقة واخص بالذكر إيران وحزب الله وروسيا والصين .
لان العملية كان قد سبقها تهدئة الجبهة اليمنية السعودية و تطبيع هذه الأخيرة علاقاتها بإيران بواسطة صينية .و كذا دخولها كعضو كامل العضوية في مجموعة البريكس. اضافة الى الزيارة الغير المرتقبة والهامة التي قام بها بوتين لكل من الإمارات والسعودية في بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في دجنبر 2023. والتي قد يكون من خلالها الرئيس الروسي قدم ضمانات أمنية للبلدين في حال اتساع رقعة الحرب في الشرق الأوسط .هذا بالإضافة للاتفاقات الأمنية بين روسيا وتركيا في الملف السوري من أجل تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا مع ضمان أمن الحدود عبر إنشاء قاعدة عسكرية روسية في كوباني التي ستوكل لها هذه المهمة .
علما أن تركيا ومن خلال تصريحات رئيسها أردوغان المعادية للكيان الصهيوني ،واقدامها على بعض الإجراءات المستفزة له خاصة بعد اغتيال اسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران.تكون قد انخرطت فعلا في ما يحضر من حرب إقليمية في المنطقة، ظاهرها مساندة الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لحرب ابادة جماعية من طرف الكيان مدعوما من أمريكا والغرب الأطلسي.
و جوهرها البحث عن تموضعات جديدة لما قد يسفر عنه الصراع الاستراتيجي الحالي الذي يكثفه الشرق الأوسط والذي اختصره ميدفيديف مؤخرا في قوله بضرورة المضي نحو حرب شاملة في المنطقة
ان اقدام كل من روسيا والصين على حل بعض النزاعات البينية لدول منطقة الشرق الأوسط والتي كانت تعد بمثابة محطات مشاغله ،عمل على خلقها واذكائها الغرب الأطلسي لخلط الأوراق وضمان سيطرة حليفته إسرائيل بما يترك لأمريكا امكانية كبيرة للمناورة و التفرغ لروسيا في شرق أوربا . والصين في منطقة جنوب شرق آسيا .
ان هذه الخطوات التطبيعية للعلاقات التي أقدمت عليها كل من الصين وروسيا في زمن قياسي في منطقة الشرق الأوسط وذلك بالعلاقة مع السعودية وتركيا والإمارات وإيران وسوريا والعراق و التي تعد دول فاعلة في المنطقة.
اكيد ان تطبيع هذه العلاقات سيكون لها منفعة اقتصادية وتجارية تعود بالنفع على الجميع وذلك في إطار شراكات استراتيجية تتأطر ضمن مجموعات اقتصادية مهمة كمجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون.
لكن بهذه الإجراءات كذلك تكون روسيا والصين ومن خلفهما إيران قد ضمنت حياد بعض الدول الشرق الأوسطية التي كانت تاريخيا تدور في الفلك الأمريكي والاسرائيلي وذلك بضمانات امنية .بل وضمنت بعض القوى الغير النظامية في اليمن و سوريا و لبنان و العراق التي بدأت روسيا بتزويدها بما يلزم من أسلحة متطورة تجسيدا لما كان قد صرح به بوتين عقب سماح أمريكا لزلنسكي باستعمال الأسلحة التي وردتها له في ضرب العمق الروسي.
وهو القرار الذي لم يثر ردة فعل ظاهرية من دول المنطقة، باستثناء اسرائيل وأمريكا المتابعة باهتمام كبير لهذه العملية التي ترى فيها تهديدا كبيرا لقواتها، وعملت عبر وسطاء على ثني روسيا عن ذلك.
واذا ما استثنينا الاردن حليفة اسرائيل وامريكا يمكن ان نقول إن التدخل الروسي الصيني لإعادة ترتيب أوراق المنطقة بما يضمن التحرك السلس للقوى المناهضة لأمريكا وإسرائيل وضمان حياد بعضها الآخر ومن ضمنها السعودية التي سبق أن نأت بنفسها في حرب اليمن ضد ما سمي بتحالف الازدهار في البحر الأحمر ومصر التي أبلغت الكيان بحيادها وانها لن تتدخل لاسناد إسرائيل ضد الرد الايراني حسب ما نقلته جريدة معاريف الاسرائيلية و ذلك سواء قبل عملية طوفان الأقصى أو بموازاة حرب الابادة التي يشنها الكيان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني بذريعة الانتقام لقتلى و معتقلي عملية 7 أكتوبر من الاسرائيليين .
كل هذا يبين ان الكيان الاسرائيلي بتغوله و استقوائه بأمريكا وضربه للقانون الدولي بعرض الحائط قد انجر فعلا إلى مستنقع الحرب الشاملة بعد ان قطع خيط المفاوضات حول وقف الحرب على غزة و تبادل الاسرى. و دفع بقوى الاسناد الى الرفع من مستوى المواجهة وذلك بعد أن أقدم على استباحة سيادة دول اخرى خاصة إيران باغتيالها لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قلب العاصمة الايرانية طهران و لبنان واخص بالذكر حزب الله باغتيال فؤاد شكر القائد العسكري للحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت وهو ما كسرت من خلاله قواعد الاشتباك المرسومة بين الحزب والكيان وكذا الهجوم الدموي على ميناء الحديدة باليمن الخ…
علما ان ايران و حزب الله واليمن سيردون دون شك ولن تفلح كل التدخلات في ثنيهم على ذلك و لن تردعهم التهديدات الامريكية ولا حشودها العسكرية التي استقدمتها للمنطقة .علما كذلك ان حزب الله و ايران و صنعاء هم حلفاء استراتيجيون لروسيا وهو ما أكدته الزيارة الاخيرة لشويغو رئيس مجلس الامن القومي الروسي الى طهران الذي اكد على حق ايران في الرد وكذا الجسر الجوي العسكري بين موسكو و طهران. ومن خلف روسيا نجد كوريا الشمالية والصين الخ.. بالتالي فأن هذه القوى لن سمح لأمريكا بالانفراد بالقوى المناهضة لها في المنطقة التي تحظى بأهمية استراتيجية بالتسبة للقوى العالمية المتصارعة .
علما ان كل من روسيا والصين بهذه الاستراتيجية المتبعة في الشرق الاوسط خلال السنين الاخيرة قد خلقت كذلك محطة مشاغلة قوية لامريكا وحلفائها ودفعت بهذه الأخيرة الى سحب الكثير من قواتها من بحر الصين الجنوبي المرابطة قرب جزيرة تايوان كما دفعت امريكا والغرب الى البحث عن حلول سلمية للحرب الروسية الاطلسية فوق الاراضي الاوكرانية . بالتالي وهذه الاستراتيجية تكون هذه القوى العالمية الصاعدة قد حققت هدفين في أن واحد.
كل هذا يدفعنا للقول ان عملية طوفان الاقصى لم تكن منذ بدايتها بمعزل عن الصراع الاستراتيجي الدولي لان القضية الفلسطينية ثبت منذ أكثر من 75 سنة ان لا حل لها في ظل النظام الدولي الحالي الذي تديره أمريكا .
بل ان تغيير هذا النظام اصبح مسألة ملحة لايجاد حل عادل للقضية الفلسطينية وهو ما أدركته قوى المقاومة ولو بشكل متأخر خاصة مع إصرار الكيان على نفي حق وجود الدولة الفلسطينية وعدم جنوحه للسلام .
كما أن اصطفاف المقاومة الفلسطينية وباقي فصائل المقاومة في المنطقة الى جانب القوى العالمية والاقليمية المناهضة للهيمنة الأطلسية يعد الخيار الأنسب سواء كان خيارا مفكرا فيه من قبل او فرضته الظروف الجديدة التي أحدثها تطورات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي .
لكن الاهم من كل هذا أن الصراع الدولي الحالي في المنطقة وباقي مناطق النزاع الدولي سيعيد ترتيب خارطة العالم ومنطقة الشرق الأوسط بالخصوص و بمقتضاه ستجد القضية الفلسطينية طريقها إلى الحل العادل وذلك ضمن ترتيبات النظام العالمي الجديد . وهو ما سيسمح كذلك بالتموضع الجيد في هذا النظام لدول الإقليم التي انحازت الى الصف المطالبين بالتعددية القطبية .
د.تدمري عبد الوهاب
طنجة في 8 غشت 2024