الصين بشأن أوكرانيا … صراع لإرساء “مبدأ الأمن غير المجزأ” على مستوى العلاقات الدولية

تتواصل الأزمة الأوكرانية منذ أكثر من شهرين دون أن يلوح في الأفق حل فوري. وعلى الرغم من أن الحالة الظاهرة للعيان مثيرة للقلق، فإن المساعي الرامية إلى إنهاء الصراع واستعادة السلام لم تتوقف قط.
ومنذ بداية الأزمة، تبذل الصين جهودا حثيثة لنزع فتيل التوترات وتعمل بنشاط لتعزيز الحوار بين روسيا وأوكرانيا، مبدية دعمها للسلام مع بذلها قصارى جهدها من أجل المحادثات.
ويتسق موقف الصين، المعترف به على نطاق واسع من قبل روسيا وأوكرانيا، من بين دول أخرى، مع المصالح الأساسية والطويلة الأجل للعالم، وقد ضخت إجراءاتها الملموسة الثقة المطلوبة بشدة والزخم الجديد في جهود الحفاظ على السلام والاستقرار العالميين.
وفيما يتعلق بالقضية الأوكرانية، لطالما دأبت الصين على اتخاذ موقف موضوعي ومحايد ودافعت عن السلام والعدالة. وثمة سياق تاريخي معقد يحيط بالأزمة الدائرة، التي تعود بجذورها إلى عقلية الحرب الباردة ومواجهة الكتل.
حيث ترى الصين أنه ينبغي احترام سيادة جميع البلدان وسلامتها الإقليمية، ويجب التقيد الكامل بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ويتعين أخذ الشواغل الأمنية المشروعة لجميع البلدان في الحسبان على محمل الجد. ومنذ الأيام الأولى للأزمة، التزمت الصين بتعزيز مفاوضات السلام وبذل جهود جبارة لخفض التصعيد، بما في ذلك اقتراح إجراء محادثات سلام، وهو ما لاقى ردا إيجابيا من الجانب الروسي.
وبهذا الخصوص، أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ بعد ذلك حوارات عبر الهاتف مع قادة العديد من الدول، مؤكدا الحاجة إلى الشجاعة السياسية “لخلق مساحة للسلام وترك مجال للتسوية السياسية”، ومشجعا الجانبين على “تذليل الصعوبات والحفاظ على استمرار المحادثات وتحقيق نتائج سلمية”.
وتفسر “الضرورات الأربعة” التي طرحها الرئيس شي بوضوح موقف الصين من القضية الأوكرانية، والتي أجرى بشأنها عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي أيضا تبادلا متعمقا للآراء مع نظرائه من مختلف البلدان.
كما طرحت خمس نقاط ومبادرة من ست نقاط بشأن تخفيف الأزمة الإنسانية، لتساهم حكمة الصين بذلك في تقديم حل للأزمة وتخفيف حدة التوترات.وفي الوقت الراهن، تساند الصين روسيا وأوكرانيا لتذليل الصعوبات ومواصلة محادثات السلام، فضلا عن الاستمرار بالنتائج الإيجابية التي تم إحرازها حتى الآن والجهود التي تبذلها الأطراف المعنية لمنع حدوث أزمة إنسانية واسعة النطاق.
لكن تحول الأزمة الأوكرانية إلى ساحة معركة إعلامية بعدما لجأ بعض الساسة ومنافذ الإعلام الأمريكية إلى محاولة تلطيخ صورة الصين وتشويه سمعتها. اذ لفقوا الأكاذيب وأساؤوا على نحو خبيث تفسير العلاقات الصينية الروسية ولوحوا بتهديد فرض عقوبات على الصين، في مسعى للضغط على بكين للتخلي عن سياستها الخارجية السلمية المستقلة والانحياز إلى أحد الجانبين. أدى الى تسمم العلاقات الدولية على نحو خطير للغاية.
في الواقع، فإن من تسبب في حدوث الصراع الروسي الأوكراني في المقام الأول هي الولايات المتحدة. من قيادة خمس جولات من توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقا إلى التخطيط “لثورات ملونة” في محيط روسيا، تجاوزت واشنطن مرارا الخط الأحمر الذي وضعته موسكو وسعت إلى إحكام السيطرة على الشؤون الأوروبية من خلال إثارة الاضطرابات.
وكشفت الأزمة عن حسابات واشنطن غير المعلنة. في أعقاب اندلاع الصراع العسكري الروسي الأوكراني، واصلت واشنطن، دون أن تعير اهتماما ذا بال إزاء التوسط لحل سياسي، تأجيج النيران، وتضخيم الصراع الإقليمي، والصيد في المياه العكرة.وفي واقع الأمر، فإن الأزمة الأوكرانية مأساوية حقا.
الصين ترى أن كل من روسيا وأوكرانيا شريكان صديقان. حيث وعلى مدى الـ30 عاما الماضية، شهدت العلاقات الصينية الروسية تقدما كبيرا اتسم بعدم الانحياز وعدم المواجهة وعدم استهداف أي طرف ثالث. كما تمتعت العلاقات الصينية الأوكرانية منذ إقامتها قبل 30 عاما بزخم سليم وثابت من التنمية.
لقد اندلعت الأزمة الأوكرانية في أوروبا، ولكن تداعياتها تؤثر على السلام والاستقرار والانتعاش الاقتصادي في العالم. وعلى المدى الطويل، ينبغي لجميع الأطراف أن تستخلص الدروس من الأزمة الأوكرانية، وأن تظل ملتزمة بمراعاة الشواغل الأمنية المشروعة لجميع البلدان بشكل جدي، وأن تتمسك بمبدأ الأمن غير المجزأ، وأن تبني هيكلا أمنيا متوازنا وفعالا ومستداما من خلال الحوار والتفاوض، على النحو المنصوص عليه في مبادرة الأمن العالمي التي اقترحتها الصين مؤخرا.
وتأمل الصين بإخلاص أن تتمكن روسيا وأوكرانيا من وقف الأعمال العدائية والتفاوض من أجل إحلال السلام في أقرب وقت ممكن.
وبوصفها نصيرا للسلام والعدالة، تنظر الصين إلى أي مسألة من منظور طويل الأجل وتتوصل إلى استنتاجاتها بناء على خصائصها الموضوعية. وتختار الصين الحوار بدلا من العقوبات الأحادية، والتهدئة بدلا من التصعيد، وستبذل جهودا حثيثة من أجل إجراء محادثات سلام.
وفي الوقت نفسه، فإن الصين مستعدة للتعاون مع جميع البلدان والشعوب المحبة للسلام وذات التوجه الإنمائي لتنفيذ مبادرة الأمن العالمي، وشق طريق نحو السلام الدائم والأمن العالمي، وإقامة تآزر قوي لبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية.