محور موراج: فصل جديد في سياسة تقسيم غزة وإعادة تشكيلها

إعادة رسم خريطة غزة بين الحصار والتهجير القسري

الرباط، 6 ماي 2025

في أبريل 2025، كشفت إسرائيل عن خطوة جديدة في استراتيجيتها العسكرية والسياسية تجاه قطاع غزة: إنشاء “محور موراج”، وهو ممر أمني يمتد من البحر المتوسّط غربًا إلى الحدود الشرقية للقطاع، مفصلاً بين مدينتي رفح وخان يونس جنوب غزة. هذا المحور، الذي أطلق عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لقب “فيلادلفيا 2″، ليس مجرد إجراء تكتيكي عسكري، بل جزء من مشروع طويل الأمد لإعادة رسم الخريطة الجغرافية والديموغرافية للقطاع، يعيد إلى الأذهان سياسات الاحتلال التاريخية التي هدفت إلى تقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية وإضعاف بنيتها المجتمعية. وسط تصريحات صادمة من وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، التي دعت إلى “تدمير غزة وحشر سكانها في محور موراج” لدفعهم إلى الهجرة، تبرز أسئلة ملحة: ما هو هذا المحور؟ وما هي أهدافه الحقيقية؟

جذور المشروع: سياسات التقسيم منذ 1967

ليس “محور موراج” ظاهرة معزولة، بل يندرج ضمن تاريخ طويل من السياسات الإسرائيلية التي استهدفت تفتيت الأراضي الفلسطينية منذ احتلال غزة والضفة الغربية في حرب 1967. في تلك الفترة، أسست إسرائيل مستوطنات في غزة، بما فيها مستوطنة “موراج” التي أُقيمت عام 1972 كقاعدة عسكرية قبل أن تتحول إلى تعاونية زراعية عام 1982. هذه المستوطنات، التي كانت جزءًا من تجمع “غوش قطيف”، كانت تهدف إلى تعزيز السيطرة الإسرائيلية عبر خلق نقاط مراقبة دائمة.

عام 2005، نفّذت إسرائيل خطة “فك الارتباط”، حيث أخلت مستوطناتها من غزة، بما فيها “موراج”، لكنها فرضت حصارًا مشددًا على القطاع، عززته بإنشاء محور فيلادلفيا على الحدود المصرية-الغزية. هذا المحور، الذي نصت اتفاقية بروتوكول المعابر لعام 2005 على إخلائه من الوجود العسكري الإسرائيلي، أصبح أداة لتقييد حركة الفلسطينيين وخنق اقتصادهم. “محور موراج” يبدو استمرارًا لهذا النهج، لكنه يحمل طموحات أكبر: عزل رفح عن خان يونس، وتقسيم القطاع إلى مناطق معزولة، مما يُعيد إحياء خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون لخلق “كانتونات” فلسطينية منفصلة.

الهندسة الجغرافية: أهداف محور موراج

يمتد “محور موراج” على طول حوالي 12 كيلومترًا، من ساحل البحر المتوسط إلى معبر “صوفا” على الحدود الشرقية، مفصلاً بين رفح وخان يونس ومغطيًا حوالي 74 كيلومترًا مربعًا، أي 20% من مساحة القطاع البالغة 360 كيلومترًا مربعًا. بحسب نتنياهو، يهدف المحور إلى تعزيز الضغط على حركة “حماس” عبر قطع خطوط الإمداد والاتصال بين مناطق القطاع، مع توفير أفضلية تكتيكية للجيش الإسرائيلي في مراقبة الحركة الميدانية وملاحقة المقاتلين.

لكن الأهداف تتجاوز الجانب العسكري. فالمحور يُعد جزءًا من استراتيجية لإعادة تشكيل الواقع الجغرافي والسياسي في غزة. من خلال عزل رفح، التي تُعد مركزًا حيويًا لحركة المقاومة، تسعى إسرائيل إلى إضعاف البنية المجتمعية للقطاع وتعقيد استعادة التواصل بين مناطقه. تقارير تشير إلى أن المحور، إلى جانب محاور أخرى مثل فيلادلفيا ونتساريم، يسيطر فعليًا على 25-30% من مساحة القطاع، مما يقلص الأراضي المتاحة للفلسطينيين بشكل كبير. هذا التقسيم يجعل الحياة شبه مستحيلة، خاصة مع استمرار الحصار الذي بدأ عام 2007 ودمّر اقتصاد القطاع.

تصريحات سموتريتش، التي دعت إلى “حشر” سكان غزة في المحور لدفعهم إلى الهجرة، كشفت عن نية أعمق: التهجير القسري. هذه الرؤية تتسق مع مقترحات سابقة، مثل تلك التي طرحها زعيم المعارضة يائير لابيد في فبراير 2025، والتي اقترحت إعادة غزة إلى السيطرة المصرية لمدة 15 عامًا، وهو ما رفضته مصر بحزم. مراقبون يرون أن المحور يهدف إلى خلق ظروف معيشية لا تُطاق، تدفع السكان إلى “الهروب الجماعي” تحت ضغط الجوع والقصف.

التداعيات الإنسانية: كارثة مستمرة

منذ إعلان إنشاء المحور، تصاعدت العمليات العسكرية الإسرائيلية في جنوب القطاع، خاصة في رفح، التي أُجبر سكانها على النزوح قسرًا. بحسب وزارة الصحة في غزة، أدت الغارات منذ استئناف العمليات في 18 مارس 2025 إلى مقتل أكثر من 1563 فلسطينيًا وإصابة الآلاف، معظمهم نساء وأطفال. القصف دمّر مبانٍ سكنية وخيام نازحين، مما زاد من معاناة 2.3 مليون فلسطيني يعيشون في ظروف إنسانية كارثية.

صور الأقمار الاصطناعية كشفت عن توسيع المحور، مع تمهيد مناطق قرب رفح لإنشاء “منطقة إنسانية” لتوزيع المساعدات. لكن الأمم المتحدة رفضت هذه الخطة، معتبرة أنها تمنح إسرائيل، كطرف في النزاع، سيطرة على المساعدات، مما يعرضها للابتزاز السياسي. مع منع إسرائيل دخول الغذاء والدواء منذ مارس 2025، تفاقمت أزمة الجوع، مع تحذيرات من مجاعة وشيكة.

السياق السياسي: رهان على الدعم الأمريكي

تتزامن السيطرة على محور موراج مع عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية في يناير 2025، والذي دعا مرارًا إلى تهجير الفلسطينيين إلى دول عربية. تقارير إعلامية أشارت إلى أن نتنياهو قدم المحور كـ”هدية” لترامب، مستندًا إلى استطلاع زعم أن 40% من سكان غزة يرغبون في الهجرة. هذه الرؤية، التي رفضتها مصر والأردن وسودان، تعكس استراتيجية إسرائيلية-أمريكية لإعادة تشكيل المنطقة عبر إضعاف المقاومة وتكريس الانقسام بين غزة والضفة.

مصر، التي ترى في عزل رفح تهديدًا لأمنها القومي، جددت رفضها لأي تهجير قسري، محذرة من أن تحويل رفح إلى منطقة عازلة قد يفتح الباب أمام موجات نزوح نحو سيناء. هذه المخاوف عززتها تصريحات إسرائيلية عن خطط لاحتلال القطاع بأكمله، مع خطاب متصاعد يدعو إلى ضم الضفة الغربية بعد فوز ترامب.

مستقبل غزة: بين المقاومة والتهجير

“محور موراج” ليس مجرد ممر عسكري، بل تجسيد لسياسة إسرائيلية تاريخية تهدف إلى تفتيت المجتمع الفلسطيني وإضعافه. من خلال تقسيم القطاع وتشديد الحصار، تسعى إسرائيل إلى تحقيق ما عجزت عنه عسكريًا: القضاء على المقاومة ودفع السكان إلى اليأس والهجرة. لكن هذه السياسات، التي أثارت تنديدًا دوليًا، قد تُفاقم الأزمة الإنسانية دون تحقيق استقرار دائم، بل قد تُعزز المقاومة في مواجهة واقع يُراد له أن يكون لا يُطاق.

في النهاية، يُظهر “محور موراج” استمرارية نهج إسرائيلي بدأ منذ عقود، يراهن على القوة العسكرية والدعم الدولي لفرض واقع جديد. لكن التاريخ الفلسطيني يُثبت أن مثل هذه السياسات، رغم قسوتها، غالبًا ما تُواجه بصمود شعبي يُعيد تشكيل المعادلة، مهما كانت التضحيات.

عن المصادر: تقارير إعلامية وتحليلات حقوقية، بما فيها وكالة قدس برس، الجزيرة، وصحيفة هآرتس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى