عباس الجراري.. على خطى النبوغ المغربي

محمد بوخزار ( كاتب صحفي)

شغله مدى حياته، هاجس البحث،عن ما اسميه سمات” العزة المعنوية” في الادب المغربي؛ على غرار النهج الذي مهد له وسار فيه وعليه،العلامة:عبد الله كنون. كلاهما” مؤصلان” إن صحت الصفة؛ مكملان لبعضهما. شغوفان، كل بأسلوبه، بتقصي العلامات الفارقة ل “النبوغ المغربي” في الاداب والفنون.

زهد في بريق الدبلوماسية، قنوعا بمرتب متواضع، لقاء منصب الأستاذية في كلية الآداب؛نهاية الستينيات. زاوج بين الانشغال بالتراث الادبي؛ والانخراط في ثقافة العصر،بتعبيراتها المستجدة؛ مسنودا بإتقان للغة الفرنسية. لم يتباه، بلغة الأجنبي، في سلوكه أو تفاخر بها في المجالس.اعتبرها مجرد اداة معرفية حضارية، مؤثرا تصنيفه ضمن المدافعين الغيورين، دون عصبية،عن اللغة العربية التي غرسها فيه، وأوصاه بها والده الفقيه الاديب: سيدي عبد الله.

الملك الحسن الثاني،اكتشف صدق، وطنية، إخلاص وتواضع العالم العصري، المجتهد؛في شخص الراحل الكريم؛بل غض الطرف عن فترة انجذب فيها الأستاذ نحو “رومانسية يسارية” في بداية مساره الاكاديمي؛ حين كان المغرب يغلي كله بحراك فكري، مغري بالانغماس فيه؛ لكن الاستاذ تحرر، بسرعة من الوهم وهجره. أدرك استحالة الجمع بين صفتي الاكاديمي، والملتزم ايديولوجيا.

لم يغره أو يبدله المنصب السامي.ظل منحازا، مؤثرا لصف الثقافة والفكر؛ يرتاح في المجالس والملتقيات الفكرية.

كان قارئا مواظبا، منصتا،متابعا للجديد الطري الطارئ، من الاصدارات.

سأحفظ له محبة ووفاء، فيما بقي من العمر. عرفته عن قرب في” اتحاد كتاب المغرب” حينما انتخب نائبا للرئيس عبد الكريم غلاب .شملني بعطف وتشجيع؛ وكنت حين اصادفه، تشرق على محياه علامات الترحيب، فيتحرك بلطف ومحبة،لتبادل التحية، بالعناق الصادق ،ومصافحة تمسك باليد وتشد عليها .

الرحمة والسكينة، في علياء الخلد، لأستاذنا سيدي عباس الجراري.لأسرته الصغيرة والكبيرة ،صادق العزاء وعظيم المواساة. محزونون حقا لفراقه.

●وفيما يلي سيرته حسب ما جاء في ااموقع الإلكتروني الجزيرة:

مفكر وأكاديمي مغربي، ومستشار للملك محمد السادس. أغنى المكتبة المغربية والعربية بعشرات الكتب في الفكر الإسلامي وقضايا الثقافة والتراث.

المولد والنشأة:

ولد عباس الجراري يوم 15 فبراير/شباط 1937 في الرباط، لأسرة علمية، إذ يُعدُّ والده الأستاذ عبد الله الجراري من رواد الحركة الثقافية المغربية.

الدراسة والتكوين:

تلقى تعليمه الأولي في الكتّاب، والتحق بمدرسة أبناء الأعيان ثانوية الليمون ثم ثانوية مولاي يوسف.

تلقى بالموازاة مع ذلك اللغة العربية والعلوم الإسلامية على يد والده العلامة عبد الله الجراري في البيت مما مكنه من الالتحاق بجامعة القاهرة في مصر وحصوله على البكالوريا عام 1957 والإجازة في اللغة العربية وآدابها عام 1961، والماجستير عام 1965، ودكتوراه الدولة في الآداب عام 1969.

وحصل من جامعة السوربون بفرنسا على دكتوراه ثانية، و شارك عام 1981 في برنامج “فولبرايت” للتميز في التدريس بأميركا (برنامج التعاون المغربي الأميركي في المجال التربوي والثقافي).

الوظائف والمسؤوليات:

تولى عباس الجراري وظائف كثيرة ومناصب عديدة، حيث التحق بالسلك الدبلوماسي لسفارة المغرب في القاهرة عام 1962، وانضم إلى هيئة التدريس في جامعة محمد الخامس في فاس ثم في الرباط عام 1966.

انتخب رئيسا لشعبة اللغة العربية وآدابها عند تأسيسها في كلية الرباط عام 1973، وانتخب عضوا في اللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي وفي مكتبها التنفيذي (1969-1973).

عين مديرا للدراسات الجامعية العليا لتكوين أطر التدريس في الجامعة عام 1982، وعين عام 1998رئيسا لوحدة أدب الغرب الإسلامي للدراسات العليا.

عينه الملك الحسن الثاني عام 1979 أستاذا في “المدرسة المولوية”، فدرّس الفكر الإسلامي، والتربية الوطنية، والتربية الإسلامية، والنصوص الأدبية.

شغل عضوية أكاديمية المملكة المغربية والمجلس العلمي الإقليمي لولاية الرباط عام 1983، وعينه الملك الحسن الثاني في الديوان الملكي في يناير/كانون الثاني 1999، ورقاه الملك محمد السادس لمنصب مستشار ملكي في 29 مارس/آذار 2000.

بالإضافة إلى مناصبه المذكورة وغير المذكورة، حصل الجراري على عضوية عدد من المجمعات العلمية والاتحادات والهيئات الاستشارية المحلية والعربية والدولية، منها: نائب رئيس مجلس إدارة جمعية العلاقات المغربية الأميركية، ورئيس لجنة التعريف بالثقافة المغربية في الداخل والخارج، وعضو مجمعي اللغة العربية في القاهرة ودمشق، وخبير متخصص لدى المنظمة الأفريقية والمنظمة العربية للثقافة (الألسكو) والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو).

التجربة الثقافية:

قام عباس الجراري بدور كبير في النهوض بالحياة الثقافية والفكرية والأدبية بالمغرب وخارجه، وساهم في التأطير والتكوين العلمي لأجيال من الطلبة والباحثين، سواء بحضور مؤتمرات محلية ودولية، أو في المجتمع من خلال مشاركاته الكثيرة في البرامج الإذاعية ومحاضراته في أسابيع ثقافية كثيرة حول مواضيع مختلفة.

برز اسمه أكثر في قضايا الحوار بين الأديان وتحالف الحضارات والتقريب بين المذاهب الإسلامية، وألقى حوالي تسعة دروس ضمن سلسة “الدروس الحسنية” التي كانت تلقى في شهر رمضان أمام الملك الراحل الحسن الثاني، وما تزال مستمرة في ظل حكم الملك محمد السادس، وان قل عددها .

دافع بقوة في عدد من مقالاته ومحاضراته وكتبه عن اللغة العربية، ورد على الشبهات والتهم التي يراد الصاقهما بالإسلام من قبيل الإرهاب والتطرف والانغلاق، وعرف عنه أيضا اهتمامه بفنّ الملحون حيث كتب وألف فيه عددا من المقالات والكتب.

له لقاء أسبوعي في بيته بحي الرياض بالرباط كل يوم جمعة بعنوان “النادي الجراري” يحضره عدد مهم من تلامذته ومحبيه من الادباء والمفكرين وتلقى فيه عروض ويتم فيه توزيع الجديد من مؤلفاته والجديد ايضا من مؤلفات رواد النادي، وقد ساهم النادي في إصدار بحوث قيمة، وأطلق في 27 يونيو/حزيران 2009 جائزة عبد الله الجراري في الفكر والأدب، تركز كل سنتين على مواضيع التراث الفكري والأدبي وموقف الفكر والأدب من قضايا الأمة ومشكلات العصر وغيرها.

المؤلفات:

كتب وألف عشرات الكتب التي اهتمت بالدراسات المغربية والتراث الشعبي والأدب العربي الإسلامي، وكذلك الدراسات الأندلسية وقضايا الفكر والثقافة.

تجاوز المطبوع من مؤلفاته ثمانين كتابا، منها: ” قضية فلسطين في الشعر المغربي حتى حرب رمضان”، و”وحدة المغرب المذهبية خلال التاريخ”، و”الثقافة في معركة التغيير”، و”هويتنا والعولمة”، و”ثقافة الإصلاح وإصلاح الثقافة” (بالعربية والفرنسية والإنجليزية)، و”لا تطرف ولا إرهاب في الإسلام”.

له حوالي أربعين كتابا آخر جاهزة للنشر، منها: “قضايا للتأمل برؤية إسلامية” و”أمراء الطوائف الجدد” و”بين الثقافة والسلطة” (تجربة ذاتية).

الجوائز والأوسمة:

كرمته جهات ومؤسسات علمية وجامعية مغربية وعربية ودولية، وحصل على حوالي 24 وساما، منها: وسام الاستحقاق (مصر 1965)، ووسام العرش (المغرب 1980)، ووسام المؤرخ العربي (1987)، ووسام العرش من درجة ضابط (المغرب 1994)، ووسام الكفاءة الوطنية من درجة قائد (المغرب 1996).

وحصل على ميدالية أكاديمية المملكة المغربية (1990)، وجائزة الاستحقاق الكبرى (المغرب 1992)، ووسام الجمهورية من الطبقة الأولى من تونس، ووسام الإيسيسكو من الدرجة الأولى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى