بدون تعليم عمومي إلزامي ومجاني لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة

احمد عاشور
عبر الاستاذ الحسان بنعاشور على صفحته الفيسبوكية، عن وجهة نظره حول اهمية وفعالية المنظومة التعليمية العمومية داخل الدولة والمجتمع، معتبرا ذلك بحكم والوظائف التربوية و المعرفية و الايديولوجية و الابعاد التي ينطوي عليها، حيث اكتسب التعليم عبر التاريخ كنشاط تنظيمي ومؤسساتي ذي طبيعة خاصة استدعت التعامل معه بعناية فائقة من قبل الأطراف المعنية به بشكل مباشر او غير مباشر، و ذلك كل حسب حاجاته من هذا القطاع و حسب الرهانات التي يعقدها عليه.
واوضح ان تضاعف الاهتمام المتزايد بالتعليم في سياق نشأة المدرسة العمومية في العصر الحديث، املته المكانة الاستراتيجية لهذا القطاع كمفهوم و كمؤسسة يرتكز عليها بناء الدولة الحديثة، كما شكل البؤرة التي تتمركز عندها انشغالات الأمة و نخبها و بالتالي اضحت المدرسة العمومية مشتلا لتربية وتكوين الصغار و الشباب مستقبل الدولة- الأمة و الخلف الضامن لاستمراريتها في تحقيق رقيها الاخلاقي ونهضتها العلمية و الثقافية و الارتقاء بمكانتها الحضارية بين الأمم.
واسترسل من منطلق ما سبق ذكره، يمكن فهم الحساسية المفرطة التي تحيط بمهنة التدريس، ويأتي المدرس في مقدمة من يدركون جيدا بانها مهنة بدفتر تحملات جد ثقيل لجهة الالتزام و الكفاءة و التضحية و الوعي العميق بهذه المهنة/الرسالة..
واشار الاستاذ حسان أن هذه الرسالة لا يقف اداءها عند حدود جدران الفصول الدراسية ولا حتى عند اسوار المدرسة و انما تمتد الى كل مناحي الحياة، و هذا قدر من اختار التعليم مهنة التدريس الى جانب الواجبات المهنية ، ينتظر المجتمع من نساء و والتعليم القيام بمهام اخرى في مجالات الثقافة و السياسة و غيرها.
وتفسيرا لذلك، قال ” ففي زمن السيادة الكاملة للتعليم العمومي، فبالرغم من الشح المهول في الموارد خاصة على مستوى التجهيزات و الوسائل، تحققت الأهداف العامة و الخاصة المنتظرة من التعليم بنسب محترمة( كما ونوعا)، كما كرس المعلم ذاته كفاعل قوي التأثير داخل المدرسة و داخل المجتمع منتصرا على معاناته مع تكاليف الحياة غير أن سمو ورمزية التعليم العمومي و المكانة الاعتبارية الرفيعة التي كانت للمعلم هي العوامل التي ساهمت في التغلب على الكثير من الصعاب الجمة.”
ولكن يعتبر السيد حسان، انه وابتداء من الشروع في تمرير مخطط خوصصة التعليم العمومي بأشكال مختلفة و متنوعة في غفلة أو مباركة او تعاون من الذين كان يفترض فيهم التصدي لهذا المخطط الجهنمي بكل حزم، حينها تيسر تمرير باقي المخططات التفكيكية لمختلف مناحي الحياة، بالتالي لم تكن لتقف تداعيات و مخاطر خوصصة التعليم عند حدود مدخلاته و مخرجاته و انما امتدت إلى كل مجالات حياة المجتمع بحكم الترابطات القوية بينها و بين التعليم و من ابرزها و أخطارها استهداف منظومة القيم بالتمييع و التفكيك و التي كان نساء و رجال التعليم حماتها الطبيعيين بحيث سعى مستهدفيها و بكل الوسائل لضربها في الصميم قصد تمرير ثقافة التطبيع مع الفردانية في شكلها المرضي و الانتهازي و التطبيع مع الفوارق الطبقية المادية و الرمزية الصارخة و ابطال مفعول قيم التضامن و التماسك الاجتماعي، و ابعاد نساء و رجال والتعليم عن القيام بأدوارهم التاريخية المعتادة و المتمثلة في تأطير النضالات السياسية و الاجتماعية و الثقافية من أجل الديمقراطية و العدالة الاجتماعية.”
ملمحا كذلك، ان التربية والتعليم بحكم طبيعتهما القيمية والاخلاقية غير قابلين للخوصصة و تحويلهما إلى سلعة خاضعة للعرض و الطلب و منطق الكسب المادي، و الزج بهما في هذا المنحى من اجل اغتيال قيمة رمزيتهما و اجهاز على وظائفهما الاخلاقية و التثقيفية و بالتالي خلق بيئة ملائمة لتمدد ثقافة التفاهة.
ولم يخفي الاستاذ حسان في تدوينته، عن أخطر اثار خوصصة التعليم على المستوى الاجتماعي تعميق الفوارق الطبقية بين ابناء الشعب المغربي و ضرب مبدأ تكافؤ الفرص بينهم و اضعاف ثقافة التضامن الوطني في صفوف الاجيال الصاعدة.
وذكر، أن شكل التعليم العمومي في وقت من الاوقات القسمة الاقل تفاوتا بين ابناء الشعب المغربي حيث كانت المدرسة العمومية في جميع المستويات المكان الذي يلتقي فيه الاطفال و الشباب على اختلاف انتماءاتهم الاجتماعية، وكانت المدرسة العمومية فضاء للصداقة والتواصل و تربة خصبة للتربية على المواطنة. ولكن في إطار نهج تسليع التعليم للأسف اصبح مؤشرا دالا بقوة على الفوارق الاجتماعية و التي تعمقت اكثر بسبب تنامي الفوارق في دخل الاسر و الفوارق في جودة السكن و في باقي مظاهر الحياة.
وخلص القول، أن حالة الاسمرار في تدبير التعليم على هذا الايقاع فإننا نتجه بالنسيج المجتمعي الى المزيد من التفكك و تحويل المجتمع الى معازل منفصلة عن بعضها البعض و تعميق ثقافة الاحباط، هذا المآل الذي لا نبتغيه يستعدي فورا التداول و التقييم لتحديد حجم مسؤولية كل المتدخلين في ما وصل اليه القطاع من تدهور، فبدون تعليم عمومي الزامي و مجاني وجيد يستحيل تحقيق تنمية عادلة ودائمة و بدونه تبقى الرغبة في إدراك نهضة ثقافية مجرد سراب و بدونه يتم تعريض الدولة-الامة لمخاطر جسيمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى