الفجوات المجالية بالجهات بالمغرب تستمر

كشفت دراسة أن التوزيع اللامتكافئ للموارد والبرامج والاستثمارات العمومية، أفضى إلى اتساع الهوة التنموية بين المجالات الترابية خصوصا في الجهات، وهو ما كرس  « تمييزا سلبيا » بين جهات ومناطق تسجل إحداها مؤشرات اقتصادية واجتماعية تفوق المعدل الوطني، فيما أخرى ظلت ضمن دائرة “المغرب غير الضروري”.  

وقالت الدراسة التي نشرها المعهد المغربي لتحليل السياسات، إنه رغم  تعدد البرامج المخصصة لحل أزمة « الفجوات المجالية بالجهات »، إلا أن هذه الأخيرة ما فتئت تتسع أمام تفاقم وضعيات متقدمة من التفاوتات الصارخة بين العواصم الجهوية والمدن الصغرى، فضلا عن اتساع الشرخ بين العالم الحضري الذي يستحوذ على القسط الأوفر من مشاريع الاستثمار والتأهيل، وبين العالم القروي الذي لا تزال العديد من نطاقاته تعاني أوجُها متعددة من الخصاص الاقتصادي والاجتماعي.

ووفقا لنتائج الدراسة، فإن السياسات العمومية بالمغرب ظلت تعاني طيلة عقود، من وطأة التركة الاستعمارية التي كرست منظورا « تمييزيا » بين المغرب النافع والمغرب غير النافع في توزيع الاستثمارات والبرامج والمرافق العمومية. وبالرغم من محاولات تجاوز هذه الفجوة عبر العديد من التدخلات والمشاريع فإنها ما فتئت تتسع ، لأن الطابع التراكمي للتفاوتات المجالية وقابليتها للانتقال من جيل إلى جيل يجعل كل تأخر في معالجتها جد مكلف مع مرور الوقت.

وأشارت الدراسة، إلى إطلاق عدة مشاريع للتنمية المجالية خلال فترة 2020-2023 لإسناد جهود تدارك الخصاص بالمناطق القروية الأقل تجهيزا، في إطار الشراكة مع المانحين الدوليين، كمشروع التنمية القروية بالمناطق الجبلية بأقاليم ورزازات وتنغير وبني ملال، ومشروع التنمية القروية المندمج لمقدمة جبال الريف بدعم من البنك الدولي، ومشروع التنمية القروية ذو الفائدة الشمولية بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة بشراكة مع البنك الإسلامي للتنمية، كما قدَّم الاتحاد الأوروبي مساعدة مالية وتقنية تُقدَّر ب 50 مليون أورو لدعم ميزانية زارة الفلاحة، ولإنجاز مشاريع للتأهيل القروي بجهتي الشرق وبني ملال-اخنيفرة، إضافة إلى الدعم المحصل من الصناديق العربية والذي ناهز 78 مليون دولار، كصندوق أبوظبي للتنمية، والصندوق السعودي للتنمية، لتمويل بعض عمليات برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية في العالم القروي بجهات درعة-تافيلالت وسوس-ماسة ومراكش-آسفي.

وأسفرت حصيلة الفترة ما بين 2017 و2023، عن بلورة سبعة برامج عمل سنوية لتنمية المناطق القروية، تم إنجازها ضمن إطار تشاركي أشرفت عليه اللجنة الوطنية لتنمية المجال القروي والمناطق الجبلية والمجالس الجهوية بغلاف مالي بلغ 48 مليار درهم مع متم سنة 2023 وهو ما يُشكِّل 96% من الغلاف المالي للبرنامج. ومكَّنت المشاريع المنجزة من الوصول إلى 14 مليون نسمة من الساكنة القروية موزعة على 1066 جماعة قروية بما يُمثِّل 83% من الجماعات الترابية بالمغرب، و91 جماعة حضرية تعرف تدفقات وتفاعلات منتظمة للساكنة القروية.

تُظهر المؤشرات العامة، التي توردها الدراسة مساهمة برنامج تقليص الفوارق المجالية في الارتقاء بمعدلات التأهيل الترابي للجماعات المستهدفة، حيث انتقلت 241 جماعة مصنفة ضمن الأولوية 1 و2 و3 سنة 2016 إلى فئتي الأولوية 5 و6 سنة 2022.

وهو ما أفضى بحسب الدراسة ذاتها، إلى انتقال عدد الجماعات التي تتوفر على مجمل الخدمات الأساسية من 502 جماعة سنة 2016 إلى 743 جماعة حاليا بزيادة قدرها 48 في المائة، فضلا عن أثره المنهجي في تدعيم التقائية الاستراتيجية الوطنية والبرامج القطاعية والترابية الرامية إلى تعزيز الإنصاف المجالي في الاستفادة من الفرص والموارد الطبيعية والاقتصادية.

لكن القراءة العامة لمآلات هذا التطور، بحسب الدراسة، تؤشر على ازدياد حدة الفوارق بين الجهات بخصوص خلق الثروة، إذ تساهم الجهات الثلاث الواقعة ضمن محور طنجة-الجديدة، بأزيد من 58 في المائة من الناتج الداخلي الخام مقابل 42 في المائة لباقي الجهات، كما انتقل متوسط الفارق المطلق بين الناتج الداخلي الإجمالي لمختلف الجهات ومتوسط الناتج الداخلي الإجمالي الجهوي من 66,4 مليار درهم سنة 2020 إلى 71,8 مليار درهم سنة 2021.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى