سعيد بنيس: في جدلية لغة التدريس ومنزلق الانهزامية الهوياتية

إن تدبير إشكال التعددية والإنصاف اللغوي يُوجب، في المرحلة الأولى، جعْل السياسة اللغوية واضحة ودقيقة في مسألة المساواة والعدالة والمناصفة بين اللغتين الرسميتين، العربية والأمازيغية، لتمهيد المرور إلى تدبير الثنائية الرسمية في جميع مجالات الحياة العامة، كالتعليم، والفضاء العمومي، والإدارة، إلخ.من هذه الزاوية يبدو ضروريا بلورة رؤى ومقترحات وتوصيات لتجويد السياسات اللغوية والثقافية لتكون عادلة ومنصفة وضامنة للتعدد اللغوي والتنوع الثقافي، ومحصِّنة للهوية الوطنية في صيغتها الرمزية : “التمغربيت”، وبناء تصورات وبدائلَ لإرساء خيارات تربوية تروم تعزيز أدوار ووظائف اللغتين الرسميتين في المنظومة التربوية، ومنحهما شروط التنافسية ومقومات الحيوية.كما أن اختلالات السياسة اللغوية بالمغرب يمكن أن تؤدي إلى احتباس لغوي من نتائجه فرملة مسلسل التعريب وإعادة الفرنسية إلى التعليم وحصر الأمازيغية كلغة تواصل، وخلق جُزر لغوية في الجامعة، مما سيأثر سلبا على المنظومة التربوية الوطنية.يمكن إدراج هذا الاحتباس اللغوي في باب “التيه التدبيري” في علاقته بمنظومة التعدد والتنوع، لا سيما إذا ربط بعدم احترام المقتضيات الدستورية، وأن التخطيط للعدالة اللغوية وإنعاش اللغات يتطلب المعرفة العميقة بالوضعية اللغوية للبلاد، وبرهاناتها المجتمعية بجميع تلاوينها الهوياتية والثقافية والعلمية والتربوية والاقتصادية والسياسية والترابية …وتباعا لا يمكن للمدرسة المغربية أن تستوعب عناصر الهوية المغربية في ظل تضخم العرض اللغوي، والتركيز المكثف على لغة أجنبية بعينها وهي اللغة الفرنسية كلغة للتدريس، في خضم السياق المجتمعي لما بعد دستور 2011 الذي نتج عنه انتقال هوياتي ترسخ من خلال هوية ترابية مزيجة تجسدت عبر مقولة التمغربيت.فقد أحدث هذا الانتقال الهوياتي نقلة نوعية أغنت الانتماء والهوية التاريخية التي يعبّر عنها من خلال الانتماء الجغرافي (من طنجة لگويرة) وعمقته بانتماء متفرد وهوية رمزية (التمغربيت) تحتضن جميع أطياف الهويات اللغوية من تاشلحيت وعروبية وتمازيغت وحسانية وجبلية وريفية ومدينية …كيف يمكن إذن فهم جدل لغة المدرسة في علاقته بالهوية في شقها المادي والرمزي من خلال القانون الإطار المتعلق بإصلاح المنظومة التربوية؟ للإجابة عن هذا التساؤل يبدو أن اعتماد لغة أجنبية، الفرنسية، في التعليم يمكن أن يخلق حالة من اللاأمن اللغوي والثقافي تنتج عنه انهزامية هوياتية تعدو معها اللغات الرسمية لغات دونية ولغات محبطة، بل تحيل على مشاعر من قبيل اليأس و”الحكرة” والازدراء، وتولد شعور الانفصام اللغوي والانفصام الثقافي، لهذا يتوجب التفريق بين اللغات المدرّسة، حيث الانفتاح اللغوي “واجب حضاري”، وبين لغات التدريس التي تقوي الشخصية الفردية والانتماء والشعور بالمواطنة.من هذا المنطلق يمكن تدبير الثنائية اللغوية الرسمية في مجال التعليم من خلال مقولة المواطنة التي تقتضي أن يُبنى التدبير كما في التجارب الدولية على مبدأ الشخصانية (كندا نموذجا) ، أو مبدأ الترابية (سويسرا نموذجا).يمكن أن يفضي هذا النوع من التدبير في الحالة المغربية من الانتقال من الدسترة إلى المأسسة، وبالتالي ترسيخ بعض عناصر الهوية المغربية كما هي مُعلنة في دستور2011.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى