درس سياسي من إسبانيا!!

محمد بوخزار (كاتب صحفي)

التجاذبات والمماحكات السياسية التي تجري في إسبانيا؛ إلى أخر لحظة، قبل الاعلان عن استكمال الهياكل الدستورية (انتخاب رئيسي غرفتي البرلمان ومكتبه المسير؛ يليه تكليف الملك للمرشح ،لتشكيل الحكومة، من الحزب المؤهل لجمع أغلبية حول اسمه وبرنامجه الانتخابي.

وبصرف النظر عن نتائج المناورات الحامية الوطيس، الجارية بين قيادات معسكرات اليمين واليسار، وتوابعهما؛ فإن المشهد الحزبي، يبدو مثيرا للانتباه؛كونه أفرز منذ نتائج الانتخابات التشريعية الاخيرة؛معطيات وحقائق، تتكرر أثناء وعقب كل استحقاق وطني سابق؛حتى صارت سمة ملازمة للحياة السياسية . 

وتجري اللعبة الديموقراطيةفي اسبانيا، وفق دستور،تأكد انه مرن، وما زال صالحا للتأويل الايجابي وكذا استيعاب أصعب وأدق النوازل والخلافات بين الفاعلين، المعبرين عن التيارات الحزبية، والأطياف الأيديولوجية؛ حيث الاستناد الى آليات دستورية، متفق عليها؛ مضبوطةومحددة؛ اغتنت ونضجت مع طول الممارسة،منذعودة الديموقراطية واعتماد نظام الملكية البرلمانية.

إن اليمين، الوسط اللبيرالي، اليسار بأطيافه ؛ كلهم ينافحون بأساليبهم، عن حقهم في المغنم السياسي. يصعدون تارة ذروة الخلاف، إلى الاعلى ثم ينزلون ، ليتفقوا في النهاية حول الممكن المقبول، غير المتعارض مع الدستور، وأسس الدولة والوحدة الوطنية.

لكن أهم الدروس المستفادة من التجربة الإسبانية؛ أنها أفرزت نخبا وطبقة سياسية ناضجة،وفاعلين حزبيين مدربين على الخطابة وأساليب إقناع الرأي العام والخصوم.

ويجوز مقارنة التنظيمات الحزبية في اسبانيا ، بأندية كرة القدم، وسواها من الرياضات؛ بحرصها الدائم، على استقطاب أجود العناصر من الميدان ؛ توفر لهم التكوين لابراز المهارات والمواهب الطبيعية.

 ولا يفاجئ الملاحظون،حين يدركون ،أن اكثر من نصف مجلس النواب الاسباني المنتخب اخيرا؛يخوضون التجربة النيابية للمرة الاولى؛ اغلبهم من الشباب من الجنسين. 

متخرجون من الجامعات؛ أمضوا فترات في شبابهم ، ناشطين في الأندية السياسية والفكرية. 

ويظهر هذا الرصيد البشري، الذي تتنافس الاحزاب لتنميته؛ في النقاشات السياسية والقدرات التي يظهرها الشباب على التفاوض والسجال. 

هكذا تتوالد النخب بكيفية طبيعية؛اعتمادا على مبدأ الجدارة والأهلية، وليس مجرد الاستقطاب المغشوش للانصار الموالين، بأي ثمن. 

وإن المشاهد لما تنقله وسائل الإعلام من نقاشات وحوارات ،وعروض للمنتوج السياسي الجديد؛ لا بد، وأن ينبهروا بمستوى نقلة وتطور الحياة السياسية في اسبانيا.

وعلى سبيل المثال؛ فإن كل الاحزاب المحتمل مشاركتها في تنشيط الحياة السياسية وتدبير شؤون الدولة والمؤسسات الدستورية في المرحلة القادمة؛ يحرصون على ترشيح مناضليهم الاكفاء ،المؤهلين لخوض معارك الحاضر والمسقبل، لينالوا ثقة الناخبين ومساندة الرأي العام.

 سيطال التغيير العديد من المناصب والمسؤوليات، في الدولة. سيعمل الوافدون الجدد ، تحت المراقبة المجهرية، إلى جانب من اكتسبوا الخبرة قبلهم، واستحقوا الثناء، في الداخل والخارج.

 وعلى مدى الأطوار السياسية التي قطعتها أسبانيا، فقد تم تدبيرها بنصيب وافر من العقلانية والشفافية؛ بصرف النظر عن أخطاء بعض الفاسدين وتجاوزاتهم. لكن هؤلاء إن ضبطوا ودانهم القضاء ، يعلن عن وفاتهم الرمزية في الحين.

هذا جانب من دروس التجربة الإسبانية التي تخرج من العواصف بسلام متجدد..

BUENA SUERTE… .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى