15 سنة من مخطط المغرب الأخضر: ماذا بعد؟

بقلم:عادل راشدي

اليوم يشهد المغرب إفتتاح فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بمكناس، في سياق اتسعت معه أزمة الغذاء وأزمة التوريد بالمواد الغذائية والمواد الأولية، وتنامى النقاش حول الأمن الغذائي والسيادة الغذائية بالمغرب وبالعالم. ومع أزمة كورونا والحرب الروسية – الأوكرانية، أصبح الأمن الغذائي والسيادة الفلاحية على جدول الأعمال رجال السياسة والإقتصاد في العالم.

بالمغرب كان من المفترض إغلاق هذا القوس بعد 15 سنة من مخطط المغرب الأخضر، والذي تم تعويضه بالحيل الأخضر، والذي صرفت عليه ميزانيات ضخمة تعادل بناء 10 جامعات و15 مستشفى جامعي و2000 كيلومتر من السكك الحديدية و3500 كلم من الطرق السيارة، لكن لماذا عجز مخطط المغرب الأخضر عن تحقيق الأمن الغذائي والسيادة الفلاحية ببلدنا؟

1-الانطلاقات الخاطئة:

قبل الإجابة عن هذا السؤال يجب الإقرار أن الإنطلاقات الأولى كانت خاطئة من أساسها لعدة اعتبارات:

– أولها على مستوى المقاربة المعتمدة:

 تم الإعتماد على تشخيص لمكتب دراسات أجنبي “ماكينزي” في وقت أنجزت فيها دراسات اقتصادية وسوسيولوجية هامة ترتبط بالقطاع الفلاحي، سواء من طرف باحثين مغاربة مرموقين وعلى رأسهم الراحلين بول باسكون  وبودربالة، مرورا بتقارير ودراسات لمنظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة (الفاو) والصندوق الدولي للتنمية الزراعة (الفيدا)، بالإضافة إلى دراسات وأطروحات بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة والمدرسة الوطنية للفلاحة والمعهد الوطني للبحث الزراعي (إنرا).

لكن كأن ماكينزي بمقاربته التقنية هي المفتاح السحري لحل الإشكال البنيوي لقطاع الفلاحة، وأن لغة الأرقام و التمنيات وجمالية الطباعة والتقديم ، وكأننا نبحث عن البعد التسويقي وإعطاء مصداقية دولية لقطاع إستراتيجي في بلد هش إقتصاديا.

حيث تم اعتماد بناء تشخيص عمودي دون تقييم حقيقي للسياسات والاستراتيجيات  السابقة ودون كذلك الانصات الحقيقي لإنتظارات الفلاحين الصغار والكبار، مما أفقد المخطط المغرب الأخضر بعده المجتمعي، لانه كما قال الزعيم الهندي غاندي “كل مالا ينجز معي وبدوني هو ينجز ضدي

-ثانيا على مستوى المرتكزات:

 هاجس الإنطلاقة لمخطط المغرب الأخضر تم بنائه كذلك على مؤشرات ماكرواقتصادية متناسين الدور المحوري والمركزي للفلاح المغربي في البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ببلدنا حسب الباحث الفرنسي ريمي لوفو وفق المرتكزات الثلاث التالية:

1-الرفع من تنافسية المنتوجات الفلاحية في الأسواق العالمية

-الرفع من القيمة التصديرية للمنتجات الفلاحية المغربية والرفع من نسبة مساهمتها في الناتج الداخلي الخام.

-إنفتاح الفلاحة أمام الإستثمارات الأجنبية و الرأسمال الأجنبي. وكأننا ننبحث عن تعويض للحلقة المفقودة لسياسة المغربة لسنة 1973 لها مالها وعليها ما عليها.

2- إعتمادات مالية ضخمة في خدمة الدعامة الأولى:

بناءا على هذه المرتكزات الثلاث ،اعتمد المخطط المغرب الأخضر على دعامتين:

-الدعامة الأولى وهي موجهة للشركات الكبرى والفلاحة التصديرية

-الدعامة الثانية وهي الفلاحة التضامنية

حيث وجهت حصة الأسد من الإعتمادات المرصودة للمخطط للدعامة الأولى أي الفلاحة العصرية أي الشركات التصديرية التي إستفادت من أراضي صوديا وسوجيطا بثمن رمزي وفق دفتر للتحملات ودعم  مالي هام موجه للتجهيزات الفلاحية والهيدروفلاحية ، بالإضافة إلى الإعفاءات الضريبية والجمركية، لكن يبقى السؤال المطروح:

-هل تمت مراجعة دفتر التحملات وتقييم الاهداف والنتائج مع المستفيدين من الدعامة الأولى ؟

-هل الفلاحة التصديرية لازالت في حاجة إلى الإعفاءات الضريبية في مغرب اليوم؟

أما الدعامة الثانية قد نقر أن أكبر إنجاز هو تنظيم الفلاحين الصغار وتحديد مفهوم دقيق لسلاسل الإنتاج وتجميع المنتجين الصغار في إطار تجمعات بيومهنية تجربة كوباك وتعاونيات الحليب اهم التجارب الناجحة.

رغم ذلك طموحات الإنطلاقة تكسرت مع التحولات المناخية ومعطى الجفاف الذي أصبح بنيويا في مغرب اليوم ،وأن المغرب لازال بعد لم يتخلص من ربط الوضعية العامة بالبلاد بالأمطار إضافة  إلى السياق الدولي الغير المطمئن.

3-خيبة الأمل الكبرى من مخطط المغرب الأخضر

إن الوضع العام  والأزمة الغير المسبوقة التي تعرفها بلادنا عنوانها العريض”أزمة الكاميلة” هي مرتبطة أساسا بفشل  الإختيارات التي ذكرناها سابقا لأن مغرب اليوم هو مستقبل لمغرب الأمس ،وأن مغرب اليوم سيكون ماضي لمغرب الغذ,أهم معالم هذه الخيبات:

1-3-فلاحة الدعامة الأولى قامت بإنتاج وتصدير منتجات فلاحية مستهلكة لموارد مائية هامة (الطماطم ،التوت ،البطيخ الأحمر ،الكليمونتين وووو) حيث صدرنا الى بلدان الإتحاد الأوروبي وكندا وأمريكا الموارد المائية المغربية ،ومعه تم إغتيال الفرشة المائية ،حيث قامت هذا النوع من الفلاحة بإستهلاك 65 ٪ من الموارد المائية المغربية،مما ينذر بأزمة عطش بنيوية بمغرب اليوم،لكن من يتحمل فاتورة هذه الأزمة؟

أكيد سبتحملها من يستهلكون وفقط 15 ٪ من الموارد المائية ،أما من اغتال الفرشة المائية توجه الى افريقيا وخاصة السينيغال.

2-3-أما فيما يخص الفلاحة التضامنية المرتبطة بالفلاحين الصغار،فهي رهينة بالأمطار والتقلبات المناخية  وأن منتجات الفلاحين الصغار بدون تحديد دقيق لسلسلة القيمة أي من الإنتاج إلى التسويق عبر منصات تعتمد على مقاربة كلوستر ستبقى تحت رحمة الوسطاء  والمضاربين مع ضعف التمويل مما جعل مخطط المغرب الأخضر يخفق في تحقيق تلك النقلة النوعية وتحقيق شروط االإستقرار ،وخلق طبقة متوسطة بالعالم القروي مع تعميق الفقر والهشاشة خاصة وسط النساء القرويات.

حتى تنظيم سلاسل الإنتاج صاحبتها بعض الكوارث البيئية وخاصة تنظيم سلسلة الزيتون،حيث شكلت المعاصر العصرية تهديد حقيقي للتنوع البيئي وقنبلة موقوتة إقليم تاونات نموذجا.

كما فشل مخطط المغرب الأخضر في إحداث بنك وطني للبذور المختارة مما جعلنا تحت رحمة البذور المختارة المستوردة الغير المستدامة والغير المصاحبة للبعد البيئي والايكولوجي.

اليوم وأكثر من أي وقت مضى،يجب الإقرارعن  فشل مخطط المغرب الأخضر في تحقيق الأمن الغذائي والسيادة الفلاحية لبلدنا،كما يصعب تحقيق أهداف الجيل الأخضر في السنوات القادمة بإعتباره استمرارية للمغرب الأخضر ومن دون تقييم حقيقي لمعالم الإحفاق والإيمان أن محددات الصراع على المستوى الجيواستراتيجي مستقبلا ستحدد على مدى تكييف السيايات العمومية مع أهداف التنمية المستدامة  وتحقيقها والذكاء الإصطناعي والأمن الغذائي والموارد المائية والبحث العلمي لأن بلدنا أكثر من أي وقت مضى في حاجة  لإحداث فسح الأمل المطلوبة للمغرب الممكن.

02 ماي 2023

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى