محمد الشمسي: الفذلكة في توصية وسيط المملكة.. محاباة على حساب المحاماة

تريثت كثيرا قبل إلقاء دلوي في بئر النقاش، تريثت حتى تبين لي الرشد من الغي، وحتى أحطت بالفذلكة (الفذلكة تعني الخلاصة والناتج) في ما أوصى به وسيط المملكة، الذي سكت دهرا ونطق كفرا بالدستور وبالمساواة وبالعدالة، وهو يوصي بوجوب منح فرصة جديدة لتنظيم امتحان جديد لولوج مهنة المحاماة لفئة تقول إنها كانت ضحية امتحان فاسد أفسد عليها نجاحها وجعلها من الراسبين، أو من المُرسبين كما يحلو لهم تسمية أنفسهم.

ما أحوجنا لتدخل مؤسسة الوسيط لحل خلافات مواطنين مع مؤسسات الدولة، لعله تمرين ديمقراطي يلزمنا التنويه به، لكن المثير هو أن يتسم تدخل الوسيط بالخشونة في حق الدستور والقانون معا، فقد ذهب الوسيط في فذلكته إلى وجوب تنظيم امتحان جديد لولوج مهنة المحاماة.

هذا يعني أن الوسيط وقف على خروقات طالت الامتحان الأصلي، وهو ما أومأ له الوسيط نفسه في بلاغه باحتشام لا يليق به كمؤسسة دستورية، فحري به أن يعلنها مدوية بتحديد مكامن اختلال ومكر الامتحان، ثم يعلن إلغاء نتيجته بشجاعة، ويرجع المشاركين فيه إلى الحالة التي كانوا عليها قبل إجرائه، ثم يحيل ما وقف عليه الوسيط من مخالفات على الجهة المختصة لتراقب إن استوجب الأمر الجزاء الجنائي ضد المتورطين، وما يتبعه من إقالة وزير العدل.

لكن المقترحات كانت في صورة محاباة للشبان غير المتفوقين الذين صعدوا إلى الجبل بخوضهم إضرابا عن الطعام، ولوزير العدل الذي استل لسانه السليط وسلطه عليهم حين أهانوه يوم امتحانه، وما فات الوسيط مع سبق إصراره وترصده أن توصيته بإعادة الامتحان لن تؤثر على وزارة العدل، بل ستتطاير شظايا لهيبها لتحرق مهنة المحاماة الجريحة والتي توالت عليها سهام مؤسسات الدولة من كل اتجاه، وقد كان على  مؤسسة دستورية في مكانة وحجم الوسيط أن تستحضر ما يلزم من التبصر في أول تدخل لها، فقد فكت حبل المشنقة من رقبة وزير العدل، وطوقت به مهنة المحاماة، وهي ترمي آلاف الشبان نحو المجهول وتوهمهم أن المحاماة على سيرتها الحالية قارب نجاة، كما غالى الوسيط في دوسه على القانون والدستور حين أوصى بخرق شرط السن المطلوب قانونا لاجتياز امتحان ولوج مهنة المحاماة، وسمح لمن تجاوزه بالمشاركة فيه وهذه الزلة قريبة إلى الوقاحة، وهي كبيرة من الكبائر الدستورية والقانونية، تنم إما عن انعدام النضج الدستوري لمؤسسة دستورية، أو توريطها في مستنقع سياسي لمسح خطيئة الوزير وهبي الذي اختار قمع الراسبين المشككين في نزاهة امتحانه، وفي نجاح ابنه وأبناء المقربين. 

سيشهد التاريخ أن وسيط المملكة صالح مواطنين مع إدارة عمومية على حساب مهنة مستقلة ليست إدارة عامة، وسيشهد التاريخ أن وسيط المملكة خرق الدستور والمساواة أمام القانون، حين زج بنفسه في نزاع قال فيه القضاء كلمته، فأضعف كلمة القضاء في ضرب لاستقلال السلط، ثم حين ساهم في خنق ما تبقى من مهنة باتت تستقبل في السنة الواحدة الأفواج صفا صفا بلا معاهد تكوين وبلا توجيه ولا دعم ولا تتبع من الدولة والوزارة، وبإثقال كاهلها وكاهل أهلها بمزيد من الضرائب، كل ذلك والمهنة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحق في المحاكمة العادلة، وبحقوق الإنسان، وتخليق القضاء والعدالة، فلتتحمل مؤسسة وسيط المملكة، ومع رئاسة الحكومة تبعات ما أوصت به من فذلكة، فكل ما تلعبه العنزة بين الجبال ستدفعه في دار الدباغة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى