سعيد بنيس: الانتخابات التشريعية في العالم الافتراضي

تميزت الحملة الانتخابية باستعمال مكثف لتقنيات التواصل الافتراضي لا سيما في التعريف بالبرامج و تقديم المرشحين للانتخابات التشريعية. تجدر الاشارة في هذا الباب ان أحزاب العدالة و التنمية ، الاتحاد الاشتراكي و الأحرار قد اضطلعت بتقديمها لمواقع افتراضية غنية بمحتوياتها و فتحها -مثلا- حزبا الاتحاد الاشتراكي والعدالة و التنمية لقنوات تلفزيونية على موقع “يوتيوب”. و تبقى المواقع الحزبية الأخرى اقل جاذبية و تتسم بكونها مواقع شاحبة تشتمل على صفحات “جامدة” .

كما اقترحت بعض الجرائد الالكترونية خدماتها على الأحزاب السياسية بغرض الوصول لشريحة الناخبين التي تعيش المعلومة عبر عالم افتراضي ألا وهو “الويب”. أضحت تلعب هذه الأخيرة بالإضافة للمواقع الالكترونية للأحزاب دور “السكرتارية الحزبية” من خلال تمكين الناخب من تتبع أجندة و أنشطة الحزب والتحاور المباشر مع بعض المرشحين وذلك عبر تهيئ أرضية للتفاعل إما عبر الشات المباشر أو عبر التعليق.

وقد شكل الموقع الاجتماعي “يوتيوب” موقعا مفتوحا للجميع سواء المنادين بالمقاطعة أو الداعين للمشاركة عبر مقاطع فيديو مختارة تشجع على المشاركة مثل فيديو “صوت واحد لا يكفي” . في المقابل تتخذ مقاطع الفيديو الداعية للمقاطعة طابع الوثائقي وذلك عبر تغطية بعض المسيرات والوقفات وعرض ارتسامات وآراء المحتجين من حركة 20 فبراير. و هذا ما يظهر جليا في مقطع فيديو مقترح من طرف “ديركت تف” .

لقد تمت اذن نقلة جديدة في التواصل الانتخابي إذ تغير سياق الخطاب السياسي من منظومة إيديولوجية إلى أخرى “صوراتية” افتراضية وذلك عبر ما يسمى بالفيلم المؤسساتي الذي يقوم على سؤال بعض المواطنين والإجابة على تساؤلاتهم في شريط لا تتجاوز مدته 10 دقائق. كما تجدر الإشارة إلى أن تكلفة الفيلم المؤسساتي ليست في متناول جميع الأحزاب السياسية إذ يمكن أن تتجاوز 390000 درهم.. فنجاعة التقنيات الجديدة للتواصل تقابلها صعوبة تحمل تكاليفها مما أدى إلى التوجه إلى وسائل بعينها مثل الرسائل القصيرة وذلك لسهولة تحملها وضمان وصولها إلى المتلقي. لذا فضل مرشحون التركيز في حملاتهم الانتخابية على شبكات التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” و”تويتر” و”يوتيوب” .

إذا كانت بعض المواقع تقدم خدماتها بدون مقابل فان المسؤولين عنها قد استفادوا من ارتفاع عدد روادها إبان الحملة الانتخابية. كما أكد بعض القيمين على هذه المواقع الالكترونية أن نسبة المداومة على زيارة المواقع تمثل دليلا ملموسا على الدور الهام الذي يمكن أن تلعبه المواقع الاجتماعية في التحسيس و التعبئة لا سيما فيما يخص شريحة الشباب.

تباعا لهذا خلقت المواقع الالكترونية فضاءا موازيا للحوار المدني حول الانتخابات و ذلك بتقديم و عرض البرامج الانتخابية و طرح سؤال المشاركة أو المقاطعة. وقد تمخض الحوار التفاعلي في بعض الأحيان عن عنف رمزي امتد إلى حد تبادل الشتائم و الاتهامات بين مناصري الأحزاب حتى أصبح الحوار مؤثثا بالنداءات المتكررة و المتتالية لاعتبار الغير واحترام وجهة نظره.

كما مكنت المواقع الالكترونية خلال الانتخابات من بروز عدة مبادرات مدنية افتراضية مثل “ولاد الشعب” التي تتيح الفرصة للمشاركين في النقاش من تقديم وجهة نظرهم حول المشاركة أو مقاطعة الانتخابات. كما ظهرت شريحة جديدة من الزوار الافتراضيين التي اتخذت من فن “البروديا” آلية للدفاع عن موقفها من الانتخابات وذلك عبر إعمال عدة نماذج من الإبداع الافتراضي مثل الصورة المتعددة الأبعاد و الكليبات والشعر والنكتة المصورين و القصة المجازية لا سيما في التعامل مع الرسومات و الرموز الانتخابية. و تركز التعبير اللغوي على الدارجة كتجسيد لخطاب افتراضي يحتوي على تركيبة خاصة تشمل الأرقام مثل 3 و 7 أو بعض العلامات الا لكترو نية (اموتكون ) بهدف إضفاء هوية خاصة على الخطاب المضاد.

استنتاجات :

– ليست هناك مؤشرات عن تأثير التواصل الافتراضي في طبيعة و نوعية الخطابات

– انعدام الابتكار والخلق على مستوى الشكل التواصلي

– معظم الكابسولات الانتخابية المقدمة من طرف الأحزاب كانت نمطية : وعود وأمال مستقبلية

– الحوار الذي دار في الانترنيت لم يكن حوارا تفاعليا بين الأحزاب فيما بينها حول رهانات البرامج البديلة ونجاعتها لكنه اتسم بكونه خطابا نازلا و مصوبا تجاه الناخب فقط

– ولوج العالم الافتراضي لم يأتي بجديد فيما يخض هوية الأحزاب حيث تشابهت الخطابات وتماهت في العاميات وأطنبت في الكلمات ا لمفاتيح من قبيل “العدالة الاجتماعية” – “الكرامة” – “المساواة”- “محاربة الفساد”- …

– تعامل الأحزاب مع التواصل الافتراضي تم بطريقة بدائية إذ لم تعمد إلى الاستعانة بوكالات متخصصة في التواصل معتبرة أن العالم الافتراضي ليس له وقع على المشهد السياسي بالمغرب

– غالبية الأحزاب لم تستوعب أن العالم الافتراضي هو عالم يستقطب شريحة واسعة من المواطنين و أن اعتماد الأساليب القديمة مثل اللا فتات و المطبوعات والجرائد الورقية يشكل تخلفا عن المنطق الافتراضي الجديد للعملية الانتخابية التواصلية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى