الذكرى الستين لتأسيس الاتحاد الاشتراكي … تاريخية التوافق مع الملكية

عبد السلام المساوي

ان حزب الاتحاد الاشتراكي سليل الحركة الوطنية ، وامتداد لحركة التحرير وقاطرة الحركة الديموقراطية الحداثية . حزب تاريخي ، حزب له ماضي يعتز به ، ويعتبر هذا الماضي مرجعا للقيم ، من هنا يقرأه قراءة الحاضر ، حزب له ماضي لا حزب ماضوي ، بل حزب الحاضر والمستقبل الذي يستلهم قيم ماضيه ….

لقد شكل الاتحاد الاشتراكي ، سليل الحركة الوطنية ، استثناء حزبيا في التاريخ المعاصر ، انه الحزب الوحيد ، في المنطقة العربية كلها ، الذي لم يصبه الوهن ولم تنل منه معاول الهدم ولا تطورات الواقع وتغيرات المجتمع ؛ لقد كان دائما ، وما زال ، جوابا متغيرا لسؤال متغير ….لهذا استمر صامدا ومتحديا في حين انقرضت احزاب التحرير في العالم العربي ، في مصر والشام ….من هنا ، لما انفجر الشارع العربي مطالبا برحيل الأنظمة الفاسدة والمستبدة ، مع ما نتج عن هذا الانفجار من غموض مستقبلي ، فان الشعب المغربي نهج نهجا مختلفا ومتميزا ، نهجا أرسى دعائمه الاتحاد الاشتراكي ، الذي بنضالاته وتضحياته ، سجل مواقف تتعالى عن حركات الشهور …وكان خطاب 9 مارس 2011 الذي قدم وصفة لأفق دستوري بدون سقف ، وطالب من الفاعلين ابتكار الوسائل الخلاقة لتجسيد روح ما اقترحه خطاب 9 مارس …

ان الاتحاد الاشتراكي كان دائما في صلب معركة التغيير بالبلاد ، بل للاتحاد دور أساسي في مرحلة الانتقال الديموقراطي ، وفي هذا السياق ، وجب التذكير بالاختيار الذي انبثق عن المؤتمر الاستثنائي سنة 1975 ;
ففي قمة الزمن الأسود والقمع الهمجي يفتك بالبلاد ، والديموقراطيون الحقيقيون يعيشون المحن ، والمؤسسات والوحدة الترابية نفسها قد أصبحت في خطر …في ظل هذه الظروف ، بلور الاتحاد الاشتراكي ، في مؤتمره الاستثنائي ، استراتيجية النضال الديموقراطي ، وعيا منه ان الرهان على انتصار الديموقراطية والتقدم الاجتماعي ، يقتضي الانخراط الواعي في لجة الواقع الموضوعي بكل تناقضاته وموازين القوى المتبلورة داخله ، وانغماس في العمل السياسي ، بكل التواءاته وتعرجاته ، حيث منطق الوقائع الصلدة وليس طوبى ” النوايا ” المستترة أو المعلنة ؛ يقتضي الانخراط الواعي ضمن دينامية مجتمعية وتاريخية ، يتفاعل فيها الموضوعي والذاتي ، بما يعنيه ذلك من قطع مع الاتجاهات العدمية من جهة ، ومع الاتجاهات الانتهازية والمتقاعسة من جهة أخرى …

ومما لا شك فيه أن المقومات الثلاثة ( التحرير ، الديموقراطية ، الاشتراكية ) التي بلورها المؤتمر الاستثنائي ، المؤتمر الذي أعلن الميلاد الثاني للاتحاد الاشتراكي ، هذه المقومات ، كاطار عام وشامل ، لتوجهات ونضال الاتحاد الاشتراكي لا تزال قائمة ومحركة لعمل الاتحاد ؛ انها عناوين أساسية لبرنامج سياسي – استراتيجي لنضال الاتحاد وليست مجرد مواقف ايديولوجية .

لقد قرر المؤتمر الاستثنائي لحزب الاتحاد الاشتراكي نهج استراتيجية تجعل من الديموقراطية وسيلة وغاية ، وتعمل في اتجاه تحقيق هدفين مترابطين ؛ تأسيس حزب حديث بعدما أنهكته الضربات المتوالية وما تطلبه الأمر من جهد لاعادة الحياة للاتحاد ، وثانيا النضال من أجل رفع التهميش السياسي على الشعب المغربي ، وكان يقتضي ذلك النضال في الواجهة الانتخابية ، وهذا الخط هو الذي أثمر تلك القوة التي ظهر بها حزب الاتحاد الاشتراكي في الاستحقاقات التي عرفتها سنتا 1976 و 1977 , وفي مقابل ذلك كان العدميون يرددون أن هذا النهج انبطاح سياسي وتخل عن الرصيد النضالي للحزب وعن شهدائه ورموزه !

لقد نجح الاختيار الديموقراطي لحزب الاتحاد الاشتراكي لأنه كان استجابة لأسئلة الواقع المغربي ، وللتحولات السياسية والمجتمعية التي عرفها المغرب ، بل انه نجح لأنه عمل على الدفع بحركة التاريخ الى الأمام ، الى المستقبل ، الى البناء ….

ان الاتحاد الاشتراكي يجتهد دائما ، يبدع أجوبة متغيرة ، اجوبة جديدة ناجعة تستجيب للحظات التطور التاريخي . ان التاريخ يصنع ولا ينتظر المنتظرين والمتفرجين ؛ فاما ان ننخرط فيه ، وندقق كيفية وطريقة الانخراط والا اصبحنا سلبيين وعدميين ؛ في هذا الاطار جاء انخراط الاتحاد الاشتراكي في حكومة التناوب التوافقي .

ان مرحلة الانتقال الديموقراطي تعتبر من اصعب وأعسر المراحل التي تمر بها الشعوب التي تنشد وتناضل من أجل بناء مجتمع ديموقراطي ، فمرحلة الانتقال الديموقراطي مرحلة معقدة وتواجه مجموعة من المقاومات والاكراهات ، والاتحاد الاشتراكي كان واعيا وما زال بطبيعة هذه المرحلة وخصوصيتها في بلدنا ، وقد ساهم بشكل أساسي وفعال في تأسيس مرحلة الانتقال الديموقراطي المرتبطة بحكومة التناوب التي تأسست على التوافق ؛ وهنا نتوقف عند مصطلح التوافق لنبرز تاريخيته ؛ ان التوافق حصل ثلاث مرات ؛ وان كان لم يأخذ شكل وثيقة مكتوبة ، فقد شكل التزاما متينا لكل الأطراف ؛

المرة الأولى كانت عندما احتفلت الحركة الوطنية بعيد العرش سنة 1933 , وبتلك المناسبة أطلقت الحركة الوطنية لقب الملك على السلطان محمد بن يوسف الذي أصبح الملك محمد الخامس .

المرة الثانية كانت عندما تم التوافق في 11 يناير 1944للمطالبة بالاستقلال ؛

ان الحركة الوطنية تركت للتاريخ واحدة من أجمل واحسن التجارب النضالية ، هي تجربة ” ثورة الملك والشعب ” ، الثورة التي خط بها أحرار المغرب بزعامة الراحل محمد الخامس ، معنى لنضال الدولة والشعب ، من أجل مطلبين فقط هما الحرية والاستقلال ، ثم الديموقراطية والحداثة ، وهما المطلبان الذين تم تضمينهما في وثيقة 11يناير 1944 , التي تعتبر ميثاقا وطنيا بين الحركة الوطنية ومحمد الخامس ، وبرنامج عمل وطني وسياسي مغربي محض ، مما أثار حنق الامبريالية التي كانت ممثلة في كل من فرنسا واسبانيا ومهد للمواجهة التي قادت إلى شن اعتقالات وإعدامات ونفي في حق الوطنيين ، ثم عزل الملك محمد الخامس عن السلطة ونفيه الى جزيرة كورسيكا ثم مدغشقر…

والمرة الثالثة كانت مع حكومة التناوب التوافقي ، من أجل انقاذ البلاد من السكتة القلبية ؛

ان ميلاد حكومة سنة 1998 هو ، بلا منازع ، حدث تاريخي تولد عنه شعور عام بأنه ناتج عن التقاء وتعاقد بين الملك والشعب ، لعبت القوى الديموقراطية دورا أساسيا في بلورته ، كما حدث ذلك في بداية الاستقلال عندما كانت بلادنا منهمكة في تأسيس السيادة الوطنية أو لما تأججت أصوات المطالبة بالاستقلال سنة 1944.

وان تجربة حكومة التناوب خلقت ديناميكية جديدة في البلاد ، ديناميكية الحريات العامة والصحافة وديناميكية الوعي بحجم المشاكل والقضايا المطروحة على البلاد ، وكذلك التعبئة من أجل اقرار نهج الدمقرطة والتحديث في اطار دولة الحق والقانون . وبطبيعة الحال واجهت هذه الديناميكية ضغوطات كبيرة وحاول أصحاب المصالح ولوبيات الانتفاع التصدي لها والعمل على اجهاضها . الا ان مفاعيل هذه الديناميكية كانت أقوى من كل المقومات الهدامة ، اذ استطاعت حكومة التناوب فتح حقول الاصلاحات الهيكلية وتنفيذ جزء كبير من برنامجها ومن ثم وضع البلاد على سكة التقدم الديموقراطي والاجتماعي .

واليوم ، يسير الاتحاد الاشتراكي في ظل بيعة متبادلة بين العرش والشعب ، بكل ايمان في مستقبل أفضل ، في طريق نموذج تنموي جديد يحقق العدالة الاجتماعية ، ويحد من الفوارق المجالية ، ودون خوف او تردد سنبني مغرب التنمية والديموقراطية والتقدم ، وسنحمي أمن واستقرار ووحدة بيتنا المشترك -المغرب الذي يتسع لكل أبنائه …

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى