عمر بن جلون.. المناضل الذي لم يمت

الطيب الشكري
مع حلول شهر ديسمبر، يتجدد كل عام في الذاكرة الجماعية للمغاربة ذكرى مؤلمة ومجيدة في آن واحد: اغتيال الشهيد عمر بن جلون في 18 دجنبر 1972. تلك الجريمة السياسية الجبانة التي أرادت إسكات صوتٍ وطنيٍ صادق، لكنها، رغم نجاحها في إزهاق روحه، فشلت فشلاً ذريعاً في محو حضوره من وجدان الشعب المغربي.
عمر بن جلون، الذي ولد في أقصى شرق المغرب بمدينة عين بني مطهر، لم يكن مجرد سياسي حزبي، بل كان رمزاً للنضال الوطني والقومي الأصيل. في زمن كانت فيه السياسة تمارس بصدق وشرف وانتماء حقيقي للوطن قبل أي انتماء حزبي، اختار عمر الوقوف في الخندق الأول دفاعاً عن قضايا الشعب المغربي والأمة العربية.
لم تكن قضية الوحدة الترابية للمغرب مجرد شعار في قاموس الشهيد، بل كانت قضية مقدسة. عندما حاول البعض المقايضة أو التردد، كان عمر من أوائل من لبّى نداء الواجب الوطني. فقد كتب في أحد نصوصه: «لسنا هنا في حاجة إلى التذكير بأننا لبينا نداء الواجب منذ أول وهلة، وبدون تردد، وأننا ساهمنا بآرائنا وتحركاتنا ورصيدنا في الداخل والخارج، من أجل استرجاع صحرائنا المحتلة، إيماناً منا بأن القضية هي قضية المغرب كله».
كما كان عمر بن جلون مدافعاً شرساً عن القضية الفلسطينية، التي لم تغب يوماً عن اهتماماته الفكرية والسياسية. فقد كتب عشرات المقالات والمرافعات التي فضحت فيها الصهيونية المتطرفة واستباحتها لأرض فلسطين، محولاً منبره إلى سلاح يحمي حقوق الشعوب المستضعفة.
اليوم، وبينما يعيش المغرب وضعاً سياسياً ملتبساً، يستعيد أحرار هذا الوطن ذكرى اغتيال الشهيد عمر بن جلون ليؤكدوا أن الدم الذي سُفك في 18 دجنبر لم يذهب هدراً. فالجريمة التي ارتكبتها أيدٍ خفية، بمباركة وتخطيط من جهات لم تتحمل الرأي الآخر، لم تكن قادرة على محو اسم عمر ومواقفه النبيلة من قلوب الشرفاء.
في كل 18 دجنبر، يتذكر المغاربة أن عمر لم يمت. إنه لا يزال حياً في كل مناضل يدافع عن الحق، وفي كل صوت يرفض الخيانة والغدر، وفي كل قلب ينتصر لقيم الوطن والأمة. أما الذين خططوا للجريمة ونفذوها، فإن التاريخ قد حكم عليهم بالنسيان والمقته، فيما يبقى اسم عمر بن جلون متلألئاً في سماء النضال الوطني والإنساني.
عمر لم يُقتل فقط لأنه كان مناضلاً، بل لأنه كان رمزاً لوطن يرفض أن يُباع أو يُقايض. ودمه الطاهر يظل شاهداً على جبن القتلة وعلى عظمة الشهيد الذي لا يزال حياً في قلوب شرفاء الوطن.









