هل تكون الاستحقاقات الانتخابية في مستوى تحديات ورهانات الوطن؟

بقلم: يحيى تيفاوي
باحث متخصص في المجتمع المدني والأحزاب السياسية

يعيش العالم اليوم لحظة تاريخية مفصلية. تغيّرات جيوسياسية جذرية، صراع هيمنة يُحسم أساساً بالمعطيات والمؤشرات الاقتصادية، وتدافع مفتوح على كل الاحتمالات يدفع الدول إلى إعادة رسم سياساتها وتحركاتها الدبلوماسية بسرعة غير مسبوقة. إنها مرحلة مخاض عسيرة، يسعى فيها كل قطب ناشئ أو قوة تقليدية إلى الخروج من عنق الزجاجة بأقل تكلفة ممكنة من الاضطرابات الداخلية.

في قلب هذا الزخم الدولي المضطرب، يبرز سؤال مصيري بالنسبة إلينا نحن المغاربة: أين موقع دولتنا المغربية في هذه الخريطة المتحركة؟ وهل يملك الفاعل السياسي الحزبي الوعي الكافي بطبيعة المرحلة، والقدرة الفعلية على المساهمة في رفع تحدياتها وكسب رهاناتها؟

الجواب عن هذين السؤالين ليس مجرد نقاش أكاديمي، بل هو شرط أساسي لكي يمر المغرب بهذه المرحلة بسلاسة، محافظاً على مكتسباته الداخلية والخارجية، بل ومُعزّزاً لها في عالم محفوف بمخاطر صراع القوى الكبرى.

لا يخفى على أحد أن المغرب، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حقق انتصارات دبلوماسية لافتة، خصوصاً في قضية وحدتنا الترابية. هذه الانتصارات ليست مجرد إنجازات دبلوماسية عابرة، بل رصيد استراتيجي ينبغي أن يُوظّف لتقوية الجبهة الداخلية في مواجهة أي تقلبات قد تحملها التطورات الدولية. كما أن منطق «رابح–رابح» الذي انتهجه المغرب في علاقاته الخارجية بدأ يؤتي ثماره، ويتجسد في ورش هيكلية اقتصادية واعدة.

لكن هذا الزخم الإيجابي يصطدم، للأسف، ببوجوازية سياسية كسولة لم تخرج بعد من قوقعتها التقليدية، ولم تتمكن من الإبداع والابتكار والإنتاج السياسي الوطني الرفيع الذي تتطلبه المرحلة. هذا الحكم ليس تعميماً جاهزاً، لكنه تشخيص موضوعي لاختلال خطير: جزء كبير من النخبة الحزبية لا يزال أسيراً لنزاعات مصلحية ضيقة، وثقافة «تزكية الأعيان» التي أسهمت بشكل مباشر في تردي المشهد الحزبي، بل وتحويله في كثير من الأحيان من فاعل في الدورة السياسية الحية إلى عبء عليها، يسيء إلى وجه الوطن داخلياً وخارجياً، ويُضعف صورة دولة المؤسسات.

رغم المعارك المعلنة لمحاربة الفساد داخل المؤسساتي والمنتخب، يبقى الرهان الأكبر والأعجل في الإصلاح الحقيقي داخل الأحزاب السياسية نفسها. إصلاح يقوم على تقديم كفاءات سياسية جديدة، قادرة على استيعاب حجم التحديات المفصلية التي يعيشها المغرب اليوم، وليس غداً.

هذا بالضبط ما عبّر عنه جلالة الملك بكل وضوح وصرورة في الخطاب السامي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية الحادية عشرة:«إن السنة التي نحن مقبلون عليها حافلة بالمشاريع والتحديات، وإننا ننتظر منكم جميعًا، حكومةً وبرلمانًا، أغلبيةً ومعارضةً، تعبئة كل الطاقات والإممكنات، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين… فكونوا في مستوى الثقة الموضوعة فيكم، وفي مستوى الأمانة الملقاة على عاتقكم».

إن هذا الخطاب ليس مجرد كلام بروتوكولي، بل دعوة ملكية صريحة لإعادة تأهيل النسق السياسي برمته، حتى يكون في مستوى التحديات الداخلية والخارجية معاً.

اليوم، يسلط العالم الأضواء على المغرب. مغرب الوحدة الوطنية وربح رهان الحكم الذاتي ومغربية الصحراء، مغرب يستقبل إفريقيا والعالم عبر السياحة والرياضة والاستثمار، مغرب يخوض معركة حقيقية ضد الفساد السياسي. كل هذه الرهانات تتطلب استحقاقاً انتخابياً قادماً بكفاءات سياسية جديدة، يراها العالم ويُقيّمها.

السؤال المصيري اليوم ليس هل سنربح هذه الرهانات؟ بل: هل ستكون نخبتنا الحزبية في مستوى هذه اللحظة التاريخية، أم ستظل أسيرة عقلية الأعيان وصراعات الكراسي؟

الوطن ينتظر إجابة عملية، لا خطابات جوفاء. والتاريخ لن يرحم المتخلفين عن ركب المرحلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!