رؤية وتوصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة (مشروع القانون 026.25)

لقد قام المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بإعداد قراءة معمقة ورأي استشاري حول مشروع القانون رقم 026.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة (CNP)، مستنداً إلى مقاربة تشاركية موسعة تضمنت نقاشات وجلسات إنصات مع أبرز الفاعلين المعنيين بالقطاع.

تتمحور القراءة المعمقة للمجلس حول تقييم سياق تقديم المشروع ودواعيه، وتحليل مضامينه الشكلية والموضوعية، وصولاً إلى صياغة رؤية وتوصيات تهدف إلى تعزيز أسس التنظيم الذاتي وضمان استقلالية المجلس وفعاليته.

——————————————————————————–

أولاً: السياق والدواعي ومنهجية إعداد الرأي

يشير المجلس إلى أن التنظيم الذاتي لقطاع الصحافة، المكرس في دستور 2011، يمثل منجزاً متقدماً يهدف إلى تحقيق توازن بين حرية واستقلالية الصحفيين وبين الالتزام بالضوابط المهنية والأخلاقية، وضمان حق الجمهور في إعلام متعدد وحر وصادق ومسؤول. ويُعد المغرب سباقاً في اعتماد هذه الآلية التشريعية.

دواعي إعادة التنظيم: جاء مشروع القانون بعد أن تعذر على المجلس الوطني للصحافة إجراء انتخاباته لتجديد هياكله في موعدها المحدد بعد انتهاء ولايته الأولى سنة 2022، بسبب غياب مادة تحدد صراحة الجهة الداعية لإجراء الانتخابات (المجلس أم القطاع الحكومي). وقد أدى هذا العائق التنظيمي والمسطري إلى تدخل السلطات الوصية عبر إحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون القطاع. وقد لجأ القطاع الحكومي إلى مسطرة التشريع (مشروع القانون رقم 026.25) بهدف تجاوز الإشكالات التي حالت دون استمرارية المجلس وضمان مواصلة اضطلاعه بوظائفه وفق متطلبات التنظيم الذاتي الرشيد والفعال. ومع ذلك، أشار العديد من الفاعلين الذين تم الإنصات إليهم أن القانون الحالي لم يكن بحاجة إلى مراجعة شاملة، بل إلى تعديل محدود يوضح فقط الجهة الداعية للانتخابات وكيفيات تنظيمها.

منهجية التشاور حول المشروع: أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن رأيه أُعد وفق مقاربة تشاركية موسعة. ومع ذلك، اعتبر جل الفاعلين المنصت إليهم أن مشروع القانون لم ينبثق عن مشاورات موسعة مع فاعلي القطاع، وأعربوا عن استيائهم من عدم إشراكهم من طرف القطاع الحكومي صاحب المبادرة التشريعية، خلافاً لما جرت به العادة في التجارب السابقة. في المقابل، اعتبر القطاع الحكومي أن اللجنة المؤقتة قامت بمشاورات مع سبع هيئات مهنية واستندت إلى تقارير ودراسات سابقة وتجارب دولية.

——————————————————————————–

ثانياً: ملاحظات المجلس حول مضامين مشروع القانون

قدم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مجموعة من الملاحظات الشكلية والموضوعية الهامة على مشروع القانون:

الملاحظات الشكلية

1. مقروئية العنوان: العنوان “إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة” لا يعكس نية المشرع بوضع إطار قانوني جديد ينسخ القانون رقم 90.13، بل يوحي بتعديل جزئي.

2. تعاريف غير مكتملة: أغفل المشروع إدراج مدلول “الصحافي المهني” و”نقابة الصحافيين المهنيين” في باب الأحكام العامة، رغم أنهما طرفان أساسيان في تركيبة المجلس والمنظومة القطاعية.

3. خلل في التوازن التشريعي: يلاحظ أن أكثر من ثلث مواد المشروع (حوالي 38 مادة من أصل 98) مخصصة لمقتضيات انتخاب أعضاء المجلس وكيفيات تشكيل أجهزته، مما يجعله أقرب إلى قانون انتخابي منه إلى إطار للتنظيم الذاتي يهدف إلى تطوير حرية الصحافة وحماية حق المواطن في الإعلام. كما خُصصت مساحة كبيرة (حوالي 18 مادة) لمسطرة التأديب والعقوبات، مقابل مساحات أقل لاختصاصات هامة مثل التكوين المستمر والتأهيل الاقتصادي للمقاولات.

الملاحظات الموضوعية (النقاط الخلافية)

1. الوضع القانوني للمجلس: ينص المشروع على أن المجلس شخص اعتباري يتمتع بالاستقلال المالي، ولكنه لم يحدد بوضوح وضعه القانوني (هل هو من أشخاص القانون العام أم لا). هذا الغموض قد ينعكس على الوضع القانوني للعاملين بالمجلس في إطار التعاقد.

2. تركيبة المجلس وتمثيلية الجمهور:

    ◦ قلص المشروع عدد أعضاء المجلس من 21 إلى 19، وحذف تمثيلية المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وجمعية هيئات المحامين، واتحاد كتاب المغرب.

    ◦ أثار هذا الحذف انتقادات لاعتباره إقصاء لممثلي الجمهور/المجتمع، الذين يلعبون دوراً أساسياً في مكافحة الأخبار الزائفة والدفاع عن حق المواطن في المعلومة.

    ◦ بينما علل القطاع الحكومي الحذف بالدور المحدود الذي لعبته هذه الهيئات في التجربة السابقة.

    ◦ أشار المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى أن إدراجه ضمن فئة الجمهور أو كجهة للتعيين يطرح إشكالات، حيث أن دوره الاستشاري قد لا ينسجم مع الصلاحيات التقريرية والإدارية الموكولة للمجلس الوطني للصحافة (منح البطاقة، القرارات التأديبية).

3. التوازن العددي بين الناشرين والصحافيين:

    ◦ اقتراح 7 ناشرين وحكيمين إضافيين من الناشرين، مقابل 7 صحافيين فقط، يشكل إخلالاً بالتوازن العددي.

    ◦ يعتبر الفاعلون أن هذا “اللاتوازن” قد يؤثر سلباً على حيادية القرارات ومصداقيتها، خاصة عندما يتعلق الأمر بالوظائف التأديبية المخالفة للمؤسسات الناشرة.

4. طريقة اختيار الأعضاء:

    ◦ ممثلو الصحافيين: اعتمد المشروع نمط الاقتراع الاسمي الفردي بدلاً من الاقتراع باللائحة والتمثيل النسبي المعتمد سابقاً، مما قد يؤدي إلى إقصاء فئات مهنية وهيمنة فئة واحدة، خلافاً لمبادئ التعددية.

    ◦ ممثلو الناشرين: اعتمد المشروع مبدأ الانتداب من طرف الهيئات الأكثر تمثيلية بدلاً من الانتخاب. يعتبر هذا تمييزاً يضعف شرعية التفويض ويتعارض مع مبدأي الاستقلالية والديمقراطية.

    ◦ تعتمد معايير الانتداب للناشرين على الحجم الاقتصادي (رقم المعاملات السنوي وعدد المستخدمين)، مما يخلق تفاوتاً شاسعاً في التمثيلية ويغفل معايير أخرى كالمقروئية وجودة المضامين.

5. مقاربة النوع: نص المشروع على إلزامية انتخاب ثلاث صحافيات كحد أدنى. إلا أنه لم يعتمد نفس المقاربة بالنسبة لباقي الفئات، خاصة فئة الناشرين، وهو ما اعتبره البعض تراجعاً واضحاً عن السعي لتحقيق مبدأ المناصفة المنصوص عليه في الدستور (الفصل 19).

6. طغيان الجانب التأديبي على الصلاحيات: يلاحظ أن المشروع يخصص 18 مادة للتأديب مقابل 9 مواد فقط للوساطة والتحكيم. ويرى الفاعلون أن المشروع يكتسي طابعاً تأديبياً وزجرياً يحجب المهام الأخرى للمجلس كسلطة معنوية تشجع التعاون والوساطة في تدبير النزاعات.

7. الأثر الاقتصادي والاجتماعي: يثير المجلس قلقه بشأن الآثار السلبية المحتملة للعقوبات التأديبية على المقاولات الصغيرة والمتوسطة التي يعتمد بقاؤها على الدعم العمومي. كما أشار إلى هشاشة النموذج الاقتصادي للقطاع بسبب تراجع المبيعات وهيمنة الأقطاب الرقمية العالمية (GAFAM) على المداخيل الإشهارية، والتبعية المتصاعدة للدعم العمومي (أكثر من النصف حالياً).

——————————————————————————–

ثالثاً: رؤية المجلس الاقتصادي وتوصياته

يرى المجلس أنه لا يمكن مقاربة مشروع القانون بكيفية ناجعة إلا في إطار تكاملي مع باقي نصوص مدونة الصحافة والنشر، التي تقتضي مراجعة تشريعية متزامنة لمواكبة التحولات في أخلاقيات المهنة والنموذج الاقتصادي المستدام.

كما أكد المجلس على ضرورة إجراء تعديلات محدودة أولاً على القانون الحالي لتأمين استمرارية المؤسسة، ثم إطلاق مسلسل تشاوري واسع لإصلاح شامل ومتوافق عليه للقطاع.

أبرز التوصيات المنهجية والموضوعية:

بشأن الشكل والوضع القانوني:

تدقيق عنوان المشروع ليعكس أنه إطار قانوني جديد وناسخ للقانون القديم.

التنصيص بوضوح على الوضع القانوني للمجلس الوطني للصحافة لرفع الالتباس وضمان استقلاليته وحسن تنظيمه الذاتي.

بشأن التمثيلية والتوازن:

تعزيز حضور الجمهور: الإبقاء على عضوية ممثلي المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وجمعية هيئات المحامين، واتحاد كتاب المغرب.

توسيع تمثيلية الجمهور لتشمل جمعيات حماية المستهلك والمبادرات المواطنة العاملة في مجال مكافحة الأخبار الزائفة (Fact-checking).

إضافة “فئة الحكمــــاء” (4 أعضاء): عضوين من الناشرين الحكماء وعضوين من الصحافيين الحكماء، للحفاظ على التوازن العددي بين الناشرين والصحافيين (الذي يجب أن يكون متكافئاً)، وضمان الحيادية والتجرد في اتخاذ القرارات التأديبية.

بشأن طريقة اختيار الأعضاء:

اعتماد الانتخاب باللائحة والتمثيل النسبي بالنسبة لممثلي الصحافيين لضمان التعددية وتمثيل مختلف أنواع الصحافة.

اعتماد نمط الانتخاب (بدلاً من الانتداب) لاختيار ممثلي الناشرين. ويجب أن تقوم شروط الترشيح على معايير دامجة لا تعتمد فقط على الحجم الاقتصادي لضمان تمثيل الناشرين الصغار.

تعزيز مقاربة النوع: التنصيص على السعي لـ تفعيل مبدأ المناصفة في اختيار ممثلي جميع الفئات المكونة للمجلس، انسجاماً مع الدستور.

بشأن الاختصاصات والتأقلم مع التحولات:

تعزيز آليات الوساطة والتحكيم في مشروع القانون لتفادي اللجوء إلى العقوبات التأديبية قدر الإمكان، مع العمل على التعريف الدقيق للخطأ المهني.

فصل الدعم العمومي عن مساطر التأديب وآثارها، وأن تكون آليات الدعم محفزة على الاستثمار وتطوير المقروئية والجودة والتعددية.

توسيع اختصاصات المجلس لمواكبة التحولات الرقمية:

    ◦ حماية الملكية الفكرية للناشرين والصحفيين فيما يتعلق باستخدام المحتويات الصحفية في أدوات الذكاء الاصطناعي.

    ◦ فتح الباب أمام الصحفيين المواطنين والمؤثرين وصناع المحتوى عبر برامج للتكوين والتحسيس لاحترام الأخلاقيات.

    ◦ التفاوض مع المنصات الرقمية العالمية (GAFAM) لاسترجاع نسبة من موارد الإشهار إلى السوق الوطنية.

    ◦ تشجيع إحداث وتطوير منصات متخصصة في التحقق من الأخبار (fact-checking) ومكافحة الأخبار الزائفة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!