احتفال جهوي بذكرى المولد النبوي الشريف في رحاب الطريقة القادرية البودشيشية: أنوار الوصال وبركات السير إلى الله

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله الذي أنار الأكوان بطلعة خير الأنام، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، المبعوث رحمة للعالمين، وجعل مولده الشريف سراجاً وضّاءً يهدي السالكين، ومناراً يضيء دروب العارفين. وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيد الخلق أجمعين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
في ظلال هذه الذكرى العطرة، ذكرى المولد النبوي الشريف، تحتفي الطريقة القادرية البودشيشية المباركة بهذا الحدث الجلل، معلنةً عن تنظيم احتفالات روحية جهوية في مختلف زواياها العامرة بربوع المملكة المغربية الشريفة، عوضاً عن الزاوية الأم بمداغ، وذلك في سياق ظرفٍ جليل ألمّ بالطريقة بانتقال شيخها الجليل، العارف بالله سيدي جمال الدين، قدس الله سره، إلى جوار ربه الكريم. وإذ تعزّي الطريقة نفسها وأهل الله قاطبة في هذا المصاب الجلل، فإنها تستبشر برحمة الله الواسعة، سائلةً إياه أن يتغمد الشيخ الراحل برضوانه، ويرفع مقامه في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
ذكرى المولد: باب الوصال وميدان التزكية
تدعو الطريقة القادرية البودشيشية مريديها ومريداتها، في هذه المناسبة الميمونة، إلى استثمار هذه الذكرى الغرّاء في إحياء القلوب بالذكر الحكيم، وإعمار الزوايا بتلاوة القرآن المجيد، وقراءة الأعمال الجليلة كصحيح الإمام البخاري، والشفا بتعريف حقوق المصطفى، ودلائل الخيرات، وذخيرة المحتاج في الصلاة على صاحب اللواء والتاج. وتتوج هذه الأنشطة الروحية بليلة المولد المباركة، حيث تُختتم الاحتفالات جهوياً في أجواء من الخشوع والإجلال، شكراً لله على نعمة بعثة النبي الأكرم، وتجديداً لعهد الاتباع والمحبة.
إن هذه الذكرى ليست مجرد احتفال عابر، بل هي ميدانٌ لتصفية النفوس وتطهير القلوب، وبابٌ يُفتح على أنوار الوصال الإلهي. في هذه الليالي المباركة، تتحول الزوايا العامرة إلى منارات إشعاع روحي، تفيض بالسكينة والرحمة، وتغدو محطات للارتقاء الروحي، حيث يرتشف المريدون من معين البركات، ويقتطفون من ثمار الهداية والاطمئنان.
وفي هذا السياق الروحي العابق بالمحبة النبوية، تجدد الطريقة البودشيشية دعوتها لمريديها إلى التشمير عن ساعد الجد في الذكر والعبادة، مؤكدةً على دور الزوايا كفضاءات للتربية الروحية والسمو الأخلاقي. وفي الوقت ذاته، ترفع أكف الضراعة إلى المولى جل وعلا، سائلةً إياه أن يجعل هذه الذكرى المباركة مدداً للفتح والرحمة والبركة على بلدنا الأمين، المملكة المغربية الشريفة، وأن يحفظ مولانا أمير المؤمنين، جلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، وأن يلبسه لباس العافية والتمكين، ويقر عينه بولي عهده المحبوب مولاي الحسن، ويشد عضده بصنوه السعيد مولاي رشيد، ويحفظ سائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة.
في هذه الأيام المباركة، لنجعل من ذكرى المولد النبوي الشريف محطةً لتجديد العهد مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، بالاقتداء بسيرته العطرة، والتأسي بأخلاقه الكريمة. فلتكن زوايانا مشاعل نور تهدي إلى سبيل الرشاد، وليكن ذكرنا للنبي الأكرم جسراً إلى رضوان الله وجنانه. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.