سر السند الرباني ومسك الختام في حضرة الطريقة البودشيشية: رؤية من مصباح قلب أمير المؤمنين

في زمن تلاطمت فيه أمواج الفتنة، وهبت رياح التشتت على رياض القلوب، وعلا لغط الألسن حول سر الخلافة والوراثة، جاء البيان ليضيء الدروب بمسك الهدى، وليكشف الستر عن جوهر المقصد، لا عن الأسماء والذوات. فليست الطريقة مسعى لدنيا، ولا غاية لكرسي، بل هي رحلة “فقر إلى الله”.
لقد أُشير من مقام البصيرة إلى أن “حامل هذا السر هو الذي يجمع الشملة”، هو ذاك القلب الذي يحمل في طياته قبسًا محمديًا وسندًا ربانيًا. ليس الأمر اختيارًا بشريًا محضًا يناله من تشتهيه الأنفس، بل هو اصطفاء سماوي، ومدد إلهي يُمد به ويوجه من تُسند إليه مهمة تدبير الطريقة ظاهريًا وتسييريًا.
فالمرشد الحقيقي هو من له “السند الرباني في النجاح في المهمة”، وهو الذي يمده ويقومه، ليظل الكيان متماسكًا على المحجة البيضاء. هذا السر ليس بيد أحد ليصرح به أو يعلنه، بل هو أمر من أمر الله يظهر في حينه لمن ارتضاه الله لحمل هذا العبء النوراني.
أما عن التدبير الظاهري والتسييري للطريقة، فقد جاء في كلمة مسجلة على مواقع التواصل الاجتماعي لسيدي منير القادري شيخ الطريقة البودشيشية، لتضع الأمر في نصابه وموضعه، حيث اكد على الولاء المطلق والطاعة السامية “لأمير المؤمنين”. فخيارات أمير المؤمنين، حفظه الله ورعاه، هي التي تُحدد من يقود الدفة الظاهرية.
وقد تكون هذه الاختيارات “لسيدي معاذ أو شخص آخر من يدبر ظاهريا وتسييريا للطريق القادرية البودشيشية”.
هذا يعني أن القيادة الإدارية الظاهرة هي أمانة توكل ببركة الاختيار العلوي، وهي مدعومة وموجهة من ذلك السند الرباني الخفي.
إن جوهر الطريقة القادرية البودشيشية لم يكن يومًا في السعي وراء الرياسات أو المناصب الدنيوية؛ فـ “حب الرياسة هي رأس كل الخطايا”. بل هي طريق “الفقراء إلى الله”، هدفها تهذيب النفوس وتزكية الأرواح، لتكون رافعة للقيم الأخلاقية السامية، ومتبعة للكتاب والسنة على نهج سيد الخلق. إنها حصن من حصون مملكتنا المغربية، التي تحتضن ثوابت الفقه المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني الجنيدي، تحت رعاية إمارة المؤمنين، حامية الملة والدين.
لقد انقشع غبار الفتنة، وآن الأوان لطي صفحة وبدء “صفحة جديدة، صفحة الولاء والوفاء لسر هذه الطريقة ولمشيختها شيوخها”. وستبقى الطريقة، بفضل الله وبركته، متبعة لإشارات صاحب الجلالة وتعليماته السامية، ومخلصة لمحبته لشيوخها.
وسيبقى “السند المحمدي وهذه الهمة الربانية حاضرة في مواكبة الطريقة القادرية البوتيشية بهذه الرؤية الربانية وهذه المباركة العليا”، لتظل منارة للإشعاع الروحي والأخلاقي، متفوقة بأخلاقها وقيمها السامية، لتعطي درسًا لكل من يهمه أمر البناء الروحي في المشرق والمغرب. فالأساس هو الإخلاص والصدق، والعمل الصالح الذي يرفع مقامات الفقراء والفقيرات المجندين وراء صاحب الجلالة.