انسحبوا أو تمردوا أو غرقوا في صمتكم القاتل.. لا فرق

الأمل مات في صدورنا، والأيام تتكرر كلعنة لا تنتهي. أن نصوت أو نصمت، أن نكتب أسماءهم على الورق أو نمزقها في الخفاء، أن نخرج إلى الشوارع أو نختبئ خلف الجدران.. لا فرق، فالنتيجة واحدة: مسرحية مكررة، وجمهور يتثاءب من فرط اليأس. الأقنعة ذاتها تدور، تتلون بلون الوعود الكاذبة، ثم تسقط لتكشف عن وجوه متشابهة، متعبة من كذبها الخاص.
أن يصعدوا إلى السلطة أو يهبطوا إلى الهاوية، أن يتوشحوا بالشعارات أو يتعرّوا منها، أن يصيغوا الخطب النارية أو يهمسوا بالوعود في الغرف المغلقة.. لا فرق، فالعرض مستمر، والمخرج واحد، والنص مكتوب سلفًا. الشعب يراقب، عيناه جاحظتان من الإرهاق، قلبه مثقل بالخيبات، وذاكرته محفورة بالخداع.
أن تطول المسرحية أو تقصر، أن يتبادلوا الأدوار أو يتشبثوا بكراسيهم، أن يتصالحوا أو يتقاتلوا، أن يبكوا أمام الكاميرات أو يضحكوا في الكواليس.. الأمر سيان. النهايات مرسومة بدقة، والحكايات مكررة كالصدى في وادٍ مهجور. الشعب يعرف القصة، لكنه فقد القدرة على تغييرها، يعرف الخاتمة، لكنه عاجز عن إعادة كتابتها.
أن يكونوا مئة أو عشرة أو واحدًا، أن يسمّوا أنفسهم أبطالاً أو ضحايا، أن يعدلوا المعادلات أو يكسروها.. لا فرق، فالأرقام مجرد حبر على ورق، والقوانين ألعابهم الخاصة. يصنعون الأغلبيات كما يصنعون الأوهام، يوزعون الأدوار كما يوزعون الفتات، ويبقى الشعب جائعًا، ينتظر معجزة لن تأتي.
أن ننسى الماضي أو نحفر فيه، أن نصدّق وعودهم أو نلعن كذبهم، أن نرفع الرايات أو ندفنها.. لا فرق، فالطريق مسدود، والمصير مرسوم على جدار الزمن. الحكومات ظلال تتحرك خلف الستار، والصناديق أصبحت قبورًا للأحلام. القوانين تُكتب في الظلام، وتُنفذ في الظلام، وتُباع بثمن بخس.
أن نكون معهم أو ضدهم، أن نصرخ أو نصمت، أن نكون لحى كثة أو وجوهًا حليقة، أن نلبس الأبيض أو الأسود.. لا فرق، فالبرامج ذاتها تتكرر، والمديح يُبث كل ليلة، والدستور نائم في درج مهجور. النخبة تائهة، والشعب يتامى، والربيع سراب، والعصي واقع. الديمقراطية أصبحت نكتة باهتة، والاستثناء هو القاعدة.
أن نتحرك أو نتجمد، أن نأمل أو نستسلم، أن تشرق الشمس أو تختفي.. لا فرق، فالظلال لا تتحرك، والميزان مكسور، والكتاب مشوه بحبر الخداع. الحمام يحوم فوق القمامة، والسنابل تنحني للريح العاتية، والوردة ذبلت منذ زمان.
والشعب، الشعب وحده، يحمل وزر هذا العبث، يحمل الخيبة، ويحمل الصمت، ويحمل اليأس الذي لا ينتهي.