يوسف الطاهيري يكتب عن : وجع القلب

قلت للطبيب بعد أن حثني على التوجه لمركز الاستشفاء الاستعجالي وكانت ساعة الغروب حلت بالمدينة: سأقوم بذلك غدا أو بعد غد.كان في نيتي أن آخذ الوقت الكافي للحديث مع بناتي حتى لا يوجعهن وجع غيابي عنهن لمدة للاستشفاء، و أنا أعلم أنهن تحملن الكثير بعد رحيل المرحومة والدتهم.
ثبت عينيه في وجهي وملامح حادة ارتسمت على وجهه: الأمر حياة أو موت قد يفوتك الأوان غدا. لقد حذرتك وعليك أن تفعل ما تشاء فأعاد وجهه نحو الحاسوب، ليكتب الرسالة التي يجب إيصالها لمصلحة الاستعجال.
تركته، حملت معي وجع الهلع الذي بثته في صدري كلماته الحادة الخالية من أي شفقة على وضعي، وفور خروجي من عيادته، لففت سيجارة نفثتها بسرعة هستيرية.دخلت المنزل، بالصدفة كان أطفالي قد حضروا جلسة تقليدية، اجتمعوا حول براد شاي منعنع، وقطع من لمسمن ساخنة، فوجدت الفرصة مناسبة لأطمئنهم حتى لا يفاجؤوا إن أطلت المكوث في المستشفى.فور اطلاع المستقبلة على رسالة الطبيب، هرعت إلى إحدى القاعات فعادت بعدها لملأ معطيات الهوية في الحاسوب .
وبعدها فتحت لي الباب الزجاجية وطلبت مني التوجه لنفس القاعة التي كانت دخلتها من قبل.أحاطت بي فتاتين، واحدة تقيس ضغط الدم و الأخرى تضع بعض القطع البلاستيكية لقياس الأكسيجين في الدم و بعدها وضعت أنبوب الحقن المتواصل، ثم وضعوني في غرفة في انتظار طبيب القلب.كانت طبيبة القلب امرأة لكنتها في الغالب تركية، تتحدث إلي بهدوء تسألني أسئلة تتعلق بظروف الوجع الذي ألم بي مؤخرا واستدعى اتصالي بالطبيب.
وبعد مدة ادخلوا شيئا غريبا في قلبي. شعرت بشيء ما دخيلا، ولكني تحملت، كانت في البدء مياه عادية تسيل في جسدي، وفجأة تحولت إلى مياه حارقة وهي تنفذ أول مرة في شراييني قلبي ملتهبة، وكان الطبيب يقول لي مقتنعا بما يقول : سأعالجك لا تحزن.
وأخيرا قال لي مبتسما لقد انتهى، الأمر لقد عالجتك.
طوال فترة المكوث في سرير المستشفى كان الوجع القاسي هو وضع بناتي في رأسي ….تساءلت في ما بعد عن ما الذي سيحدث مستقبلا في قلبي الذي عرف الفواجع و المواجع و الآلام و الأفراح بأنواع متنوعة. ازدحمت فيه العواطف و الأحزان ورواسب الماضي العسير، كل تلك جعلته لا ينبض على وتيرة واحدة، لتنكمش شرايينه…
أتعبته السياسة والثقافة والعالم وشعرت أني كنت قاسيا معه، كان علي أن أحفظه من ضربات الزمان ، والآن أتمنى ان لا يكون فات الآوان.الصورة أدناه من عدسة الصديق الفنان الفوتوغرافي سعيد العياري