وضعية المراسل الصحفي في المغرب: التحديات القانونية والاعتراف المهني – قراءة أولية

عبدالعالي الجابري – وجدة، 1 يونيو 2025

تُعد مهنة الصحافة من الركائز الأساسية للمجتمعات الديمقراطية، حيث يلعب الصحفيون، بما فيهم المراسلون المحليون، دورًا حيويًا في نقل الأخبار وتوثيق الأحداث. ومع ذلك، فإن وضعية المراسلين الصحفيين في المغرب تثير تساؤلات حول مدى كفاية الإطار القانوني الحالي في حماية حقوقهم وضمان الاعتراف المهني بدورهم.

بناءً على تحليل القانون المغربي ومقارنته مع تجربة المراسلين الصحفيين المحليين في فرنسا، يمكن استشراف التحديات التي تواجه هذه الفئة واقتراح الحلول المناسبة.

وضعية المراسلين الصحفيين في فرنسا: نموذج تحذيري

في فرنسا، يُعتبر المراسلون الصحفيون المحليون (CLP) عمالًا مستقلين، لكنهم يعانون من وضع قانوني هش يُوصف غالبًا بأنه “تعسفي” و”مزرٍ“. على عكس الصحفيين المهنيين الذين يتمتعون بحقوق اجتماعية وبطاقة الصحافة المهنية، لا يحصل المراسلون المحليون على هذه البطاقة، مما يحرمهم من رمز الاعتراف المهني. يتقاضون أجورًا منخفضة، غالبًا على أساس المقال أو الصورة، وتُقدر بمتوسط 4.76 يورو للساعة، دون مساهمة في صناديق التقاعد أو الحماية الاجتماعية.

وعلى الرغم من وضعهم القانوني كمستقلين، فإن عملهم يتسم بالتبعية الفعلية، حيث يتلقون المواضيع من المؤسسات الصحفية ويخضعون لإشراف رؤساء التحرير.

هذا الوضع دفع المنسقية الوطنية للمراسلين المحليين في فرنسا، بدعم من نقابات الصحفيين، إلى المطالبة بحقوق اجتماعية عادلة، وجداول أجور مناسبة، واحترام حقوق المؤلف. هذه التجربة تُبرز المخاطر التي قد تنجم عن غياب إطار قانوني واضح وشامل يحمي المراسلين الصحفيين.

الإطار القانوني للصحافة في المغرب: نقطة انطلاق واعدة

في المغرب، ينظم القانون وضعية الصحفيين المهنيين بما يشمل عدة فئات، منها الصحفي المهني المحترف، والصحفي الحر، والصحفي المتدرب، والصحفي الشرفي. وتُثبت الصفة المهنية بواسطة بطاقة الصحافة المهنية التي يصدرها المجلس الوطني للصحافة. المادة 14 من القانون الصحافي المهني (89/13) تُعد خطوة متقدمة، إذ تنص على أن أي اتفاق بين مؤسسة صحفية وصحفي مهني مقابل أجر يُعتبر عقد عمل، بغض النظر عن طريقة الأداء أو تسمية الاتفاق.

هذا يعني أن الصحفيين الأحرار، الذين يعملون بناءً على طلب وبدون أجر ثابت، يمكن أن يستفيدوا من حماية مدونة الشغل، شريطة حصولهم على بطاقة الصحافة.

على عكس الوضع في فرنسا، يبدو أن القانون المغربي يوفر إطارًا أكثر شمولية لحماية الصحفيين، بما في ذلك أولئك الذين يشبهون المراسلين المحليين في عملهم الميداني. ومع ذلك، يبقى التحدي في التطبيق الفعلي لهذه الأحكام، خاصة في ضمان حصول المراسلين على بطاقة الصحافة والحقوق المرتبطة بها.

هل هناك حاجة لـ”باب خاص بالمراسل”؟

اقتراح إنشاء فصل قانوني خاص بـ”المراسلين” في التشريع المغربي قد يبدو مغريًا لتنظيم هذه الفئة بشكل أفضل، لكنه ينطوي على مخاطر جمة. إنشاء فئة مستقلة قد يؤدي إلى استبعاد المراسلين من فئة “الصحفيين المهنيين“، مما يحرمهم من الحقوق المكفولة بموجب المادة 14 ومدونة الشغل، ويُعيد إنتاج الوضع الهش الذي نراه في فرنسا.

فئة “الصحافي الحر” في القانون المغربي تبدو كافية لتشمل المراسلين الذين يعملون بناءً على طلب وبدون أجر ثابت، شريطة الاعتراف بهم كصحفيين مهنيين، بدلاً من إنشاء فئة جديدة.

و يمكن تعزيز الإطار القانوني الحالي من خلال:

  1. تسهيل الوصول إلى بطاقة الصحافة المهنية للمراسلين الذين يستوفون معايير “الصحافي الحر“، مثل اشتراط الدخل الرئيسي من العمل الصحفي.
  2. تعزيز تطبيق المادة 14 لضمان تصنيف علاقات العمل المدفوعة مع المراسلين كعقود عمل، مما يمنحهم الحقوق الاجتماعية مثل التغطية الاجتماعية والتقاعد.
  3. توعية المؤسسات الصحفية بمسؤولياتها تجاه المراسلين، خاصة فيما يتعلق بتوفير ظروف عمل عادلة وأجور مناسبة.

التحديات الميدانية في المغرب

على الرغم من الإطار القانوني الواعد، قد يواجه المراسلون في المغرب تحديات مشابهة لتلك التي يواجهها نظراؤهم في فرنسا، مثل الأجور المنخفضة، التبعية الفعلية للمؤسسات الصحفية، وصعوبة الوصول إلى بطاقة الصحافة. هذه التحديات تتطلب تعاونًا بين المجلس الوطني للصحافة، النقابات، والمؤسسات الإعلامية لضمان تطبيق القانون بشكل فعال.

كما يمكن للنقابات الصحفية، مثل النقابة الوطنية للصحافة المغربية، أن تلعب دورًا في الدفاع عن حقوق المراسلين والتأكد من الاعتراف بهم كصحفيين أحرار.

خاتمة: تعزيز الحماية بدلًا من التقسيم

في ضوء التجربة الفرنسية والإطار القانوني المغربي، يبدو أن إنشاء فصل خاص بالمراسلين قد يؤدي إلى تهميشهم بدلاً من حمايتهم. الحل الأمثل يكمن في تعزيز تطبيق القوانين الحالية، خاصة المادة 14، وضمان حصول المراسلين على بطاقة الصحافة المهنية كصحفيين أحرار. هذا النهج سيضمن حماية حقوقهم الاجتماعية والمهنية، ويعزز مكانتهم كجزء لا يتجزأ من الجسم الصحفي في المغرب، بعيدًا عن الهشاشة التي يعاني منها المراسلون في نماذج أخرى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!