من أجل نهضة تربوية رائدة أم من أجل استمرارية بيداغوجية آمنة؟

ذ. محمد طويل - مفتش تربوي ثانوي - باحث في قضايا التربية و التكوين

”مِنْ أَجْلِ نهضة تربوية رائدة لِتَحْسِينِ جودة التَّعْلِيم” هو شعار الوزارة للدخول المدرسي للموسم الدراسي 2022/2021  ، و هو الشعار الرابع على التوالي الذي يخصص للدخول المدرسي بمعدل شعار واحد مختلف لكل موسم . فبعد أن تم رفع شعار “مدرسة المواطنة” خلال موسم 2019/2018 جاء شعار “مدرسة مواطنة دامجة”  برسم الدخول المدرسي لموسم 2019 /2020 ثم تلاه الموسم الماضي شعار “مدرسة مواطنة مجددة منصفة و دامجة” ،  ليطالعنا شعار الموسم الذي نحن على مشارف انطلاقته “من أجل نهضة تربوية رائدة لتحسين جودة التعليم” لافتتاح الموسم الدراسي 2022/2021          لقد سبق أن نبهنا في المقال الأخير المرتبط بشعار الدخول المدرسي الماضي “من أجل مدرسة مواطنة و مجددة و منصفة و دامجة”  إن الشعار ليس مجرد جملة يتم انتقاؤها هكذا من قاموس المفردات المتصلة بالتربية و مشاريع التربية بل هو اختزال لفكرة و لتصور متكامل قد يكون ممتدا في الزمن و يعكس بما يكفي من الشمولية و الطموح و الاختزال ما ينبغي أن تكون عليه المدرسة المغربية المنشودة من أجل تحقيق التعبئة الضرورية حوله و السعي نحو تحقيقه ، و هو أمر لا أعتقد أنه يخفى على واضعي الشعارات السابقة و الشعار الحالي.

           لن أعود لمختلف التساؤلات التي أثرتها في الموسم الماضي حول الدخول المدرسي وقتها و شعاره الطويل العريض و مدى تحققه و ما إن تم تقييم أهدافه في ظل وضع استثنائي كانت تعيشه المدرسة المغربية و لا تزال ،  و سأكتفي بالحديث عن شعار هذا الموسم الذي كان يفترض فيه ، كأي شعار ، أن يكون، كما اقترحت في السابق ،  موضوع مباراة يتم الإعلان عنها  تفتح في وجه كل الراغبين في المشاركة مع توضيح شروط و سياق الشعار المراد رفعه و معايير صياغته بما يمكن من رصد مدى مواكبة المهتمين و الفاعلين لما يجري في الساحة التربوية من جهة و تعزيز مساهمتهم في تأمين تنزيل الشعار الذي يقع عليه الاختيار من جهة ثانية.

          شعار “من أجل نهضة تربوية رائدة ” شعار كان ينبغي أن يصاغ بطريقة التباري هذه بما يساعد على تملكه و الاشتغال عليه من طرف الفاعلين ، و من خلاله مواصلة العمل على مكونات الشعارات السابقة من قبيل المواطنة و التجديد و الدمج و الإنصاف باعتبارها مكونات لها ما يكفي من الحمولة و العمق و الجدوى للمضي قدما نحو المدرسة التي ينشدها المغاربة ؛ مدرسة المواطنة التي ما أحوجنا لها و مدرسة الإنصاف و التجديد و مدرسة الإدماج . الأمر الذي لم يتضح من الصياغة المعتمدة على اعتبار الطبيعة الفضفاضة لمفهوم النهضة  ، بل بدا كما لو أن هناك قطيعة بين الشعارات السابقة و شعار  هذا الموسم ، و لربما نوعا من الإنحراف عن الخيارات التي كانت مرسومة في السابق أو فقط خللا في التسديد و الصياغة؟

          إن شعار هذا الموسم يدعو أولا للتساؤل عن دواعي طرحه في هذه الظرفية الاستثنائية بالذات التي تعيشها المدرسة المغربية كنظيراتها بمختلف أرجاء المعمور بسبب تفشي وباء كوفيد – 19  للموسم الثالث على التوالي  و ما فرضه من تحولات على مستوى تدبير تمدرس التلاميذ و تأمين الاستمرارية البيداغوجية و تنزيل الأنماط التربوية الأكثر ملائمة لتأمين الحد الأدنى من التعلمات لفائدتهم . بل كان من الممكن ، في تقديري المتواضع ، الإكتفاء بشعار “من أجل استمرارية بيداغوجية آمنة ”  باعتباره الأنسب للظرفية التي تعيشها المدرسة بشكل عام ، على أن يتم إرجاء شعار النهضة التربوية للمواسم اللاحقة التي نأمل أن يكون قد اختفى الوباء فيها و عادت الحياة لوضعها الطبيعي و بالتالي تكون كل الظروف مواتية لحشد الهمم من أجل نهضة تربوية رائدة ؟ كما يدعو أيضا للتساؤل عن ما إذا كانت الشعارات التي رفعت في السابق قد حسمت و انتهى أمرها ؛ بمعنى أن مواضيع المواطنة و الدمج و الإنصاف و التجديد باتت محسومة لصالح المدرسة . و هي الفرضية التي تحتاج لكثير من التمحيص، فهل فعلا نحيا ، في ظل التنوع الحالي في مدرسة مواطنة تضمن ما يكفي من الإنسجام  و التعاون  و التكامل بين مكوناتها أطرا و مرتفقين ؟ و هل انتهينا من مسألة التجديد و نحن لا زلنا أمام وضعية استثنائية لا تكاد تنتهي تقتضي منا التجديد في كل المناحي المرتبطة بالفعل التعليمي التعلمي من تجهيزات و تكوين و تأطير  و تأهيل ؟ و هل تم الحسم في مسألة الدمج بشكل نهائي و تم إرساء المدرسة الدامجة بكل ما يعنيه الشعار من تكافؤ في الفرص دون تمييز ؟ و هل وفقنا بما يكفي في تقليص الفوارق المجالية و حققنا الإنصاف المنشود؟

          أعتقد أن شعار الموسم الماضي لا زال شعار المرحلة و سيظل صالحا لمواسم عدة ما لم يتم القضاء على الفوارق المجالية بما يضمن الإنصاف و تكافؤ الفرص و ما لم تتم مواكبة التطور البيداغوجي و الرقمي الحاصل من أجل تجديد آمن من داخل المدرسة العمومية و ما لم يتم تأمين تمدرس كل أبناء المغاربة على نفس قدم المساواة و تمكينهم من الاستفادة من نفس الخدمات و بالجودة المطلوبة أينما وجدوا. ثم لماذا شعار نهضة تربوية و نحن نعلم أن مفهوم النهضة له من الخصائص ما لا يسع المجال هنا لذكرها و  يتسم  بالشمولية و عدم الوضوح و نقص الدقة و صعوبة القياس ، و لو أن معناه الاصطلاحي تقابله الطاقة و القوة و الارتفاع بعد الانحطاط و التجدد و الانبعاث بعد التأخر و الركود ، و هو ما يعني ، في سياق الشعار ، انتظار ظهور  طفرات في مجالات الفن و المعرفة و العلمية و ظهور العلماء و الفنانين و الفلاسفة و المثقفين …؟ فهل هذا هو التوجه العام الحالي للمدرسة المغربية ، مدرسة تشتغل من أجل النهوض بثقافة جديدة و فكر جديد و إنسان جديد و توجهات علمية و معرفية جديدة على أنقاض الوضع  القائم؟  و إن كان الأمر كذلك فما المانع من تقديم التوضيح الكافي بخصوص الشعار المرفوع لضمان فهمه و تملكه و الاشتغال عليه من طرف كل الشرائح المعنية بالمدرسة و بالتعليم ؟  ثم ألا يحق التساؤل عن ما إن كانت هناك إصلاحات جديدة مرتقبة غير الإصلاح الجاري المتمثل في تنزيل الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم قيد التحضير ينصب فيها الإهتمام على إحداث ثورة رقمية و تقنية و ثقافية و علمية و صناعية تقودها المدرسة المغربية ؟ ثم أليس المقصود بنهضة تربوية تعميم التعليم و توسيع العرض المدرسي و توسيع قاعدة التعليم الأولي و تطوير و تنويع العرض اللغوي و تجديد المناهج و البرامج و تأهيل المؤسسات و تطوير العرض التكنولوجي و تطوير نظام التقويم و الامتحانات و التوجيه ؟ و إن كان  الأمر كذلك أليس هذا ما تسعى الرؤية الحالية بمشاريعها المندمجة إلى تحقيقه و بالتالي يمكن إدراج كل هذه الأهداف ضمن عنوان نهضة تربوية لتبقى حدود تحقيقها غير دقيقة و صعبة القياس ؟ و يبقى السؤال عن ماذا يريد المسؤولون تحقيقه لصالح المدرسة المغربية ؟ و لو أن الإجابة عن هذا السؤال صعبة للغاية و شائكة ، فإما إن تكون هي ما تم تسجيله من نتائج لمختلف المشاريع المندمجة التي يتم تنزيلها أو أن تكون شيئا غير ذلك؟  في الحالة الأولى يصبح شعار نهضة تربوية غير ذي معنى ما دام القطاع يسير وفق ما هو مخطط له و يقوم بتنزيل المشاريع التي سطرها وفق الجدولة الزمنية الموضوعة لها و إما أن تكون شيئا آخر و هنا يطرح التساؤل عن جدوى كل المجهودات السابقة المبذولة من أجل بلورة الرؤية الاستراتيجية و هندسة المشاريع المندمجة؟ 

         أمام كل هذه الفرضيات و الأسئلة ، لن أفوت الفرصة لأعود مجددا لشعارين ، شعار “مدرسة المواطنة ” الذي اعتبره جامعا و شاملا لكل الوظائف التي يمكن أن تقوم بها المدرسة ، و يجد الجميع فيه نفسه و ما يبتغيه من انصاف و تكافؤ و دمج و تجديد .فلا يمكن تصور الإنصاف خارج المواطنة الحقة و ما تقتضيه من حس كبير بالمسؤولية و تغليب للمصلحة العامة و تعاون و التزام بالواجبات و تمسك بالحقوق ، و لا يمكن الحديث عن الدمج في غياب التكافؤ الضروري لولوج خدمات المدرسة و من خلالها سوق الشغل ، و في غياب الاستثمار الكافي في بنيات الاستقبال و في التجهيزات و في الموارد البشرية، و لا يمكن تصور مدرسة متجددة منفتحة دون إتاحة أسباب التجديد لمختلف مكونات المنهاج الدراسي الأساسية المتمثلة في وضوح غاياته و في ملائمة المقررات الدراسية لهذه الغايات و في تجديد طرق و أساليب التدريس و في وفرة و ملائمة الوسائل التعليمية و في مراجعة و تجديد نظام التقويم و في تأهيل تكوين المدرسين و الأطر الادارية و التربوية و في تعزيز الحكامة التدبيرية و في تأهيل البنيات المادية.ثم  شعار ” من أجل نهضة تربوية”  الذي بقدر ما له من الحمولة الإيجابية و القدرة على الدفع نحو التعبئة المجتمعية التي تحتاجها المدرسة المغربية  ، بقدر ما يطرح بعض علامات الاستفهام بخصوص تنزيل الإصلاحات الجارية و مدى تحقيقها للأهداف المستوحاة منها . مع العلم أن الشعار المذكور لا يمكن أن يكون شعار موسم واحد . فقد تتحقق بعض الأهداف الوسيطية في موسم دراسي واحد  دون أن تظهر المؤشرات الكافية و الدالة على تحقيق نهضة تربوية في نهاية الموسم . و قد يكون من الأجدر ، انسجاما مع هذا ،  الاحتفاظ بشعار النهضة التربوية لكل المواسم القادمة خالدا تيمنا بعصر النهضة الأوروبية التي استغرقت قرونا طويلة و لامست مختلف مناحي الحياة البشرية و أخرجتها نحو نور المعرفة و العلم و الثقافة و التقدم التكنولوجي و الحضاري. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى