منع ندوة صحفية لمكافحة الفساد: فضيحة تهزّ النقابة الوطنية للصحافة المغربية

في خطوة أثارت استغراب المنظمات الحقوقية وصدمت الرأي العام، منعت النقابة الوطنية للصحافة المغربية المبادرة المدنية لمكافحة الفساد وحماية المال العام من عقد ندوة صحفية في مقرها بالرباط، كانت تهدف إلى تقديم مذكرة تتصدى لتعديلات قانونية مثيرة للجدل تهدد دور المجتمع المدني في محاربة الفساد. هذا القرار المفاجئ، الذي وصفته الجمعيات بـ”غير المبرر وغير المفهوم”، يكشف عن تساؤلات خطيرة حول التزام النقابة بدعم النضال الحقوقي، ويفتح الباب أمام شكوك حول دوافع هذا المنع.

أعلنت المبادرة المدنية، التي تضم 23 جمعية حقوقية، عن قرارها نقل الندوة الصحفية المقررة يوم الأربعاء 25 يونيو 2025 من مقر النقابة الوطنية للصحافة المغربية إلى مقر جمعية ترانسبرانسي المغرب، بعد تراجع مفاجئ من رئيس النقابة، عبد الكبير اخشيشن. وكانت النقابة قد وافقت، صباح الإثنين 23 يونيو، على طلب قدمته ترانسبرانسي المغرب لاستخدام قاعتها لعقد الندوة، التي كان من المقرر أن تسلط الضوء على تعديلات مقترحة على قانون المسطرة الجنائية تهدف إلى الحد من دور المجتمع المدني في مكافحة الإفلات من العقاب في قضايا الفساد ونهب المال العام.

وفقًا لبلاغ صادر عن المبادرة، تم توزيع إعلان عن الندوة بعد الموافقة الأولية، وحظي بتغطية إعلامية واسعة، قبل أن تتراجع النقابة فجأة دون تقديم أي مبررات واضحة. حاولت صحيفة صوت المغرب التواصل مع رئيس النقابة لتوضيح الأمر، لكن محاولاتها باءت بالفشل، حيث ظل هاتفه يرن دون رد، مما يزيد من غموض الموقف.

استنكرت الجمعيات الحقوقية، التي تضم أسماء بارزة مثل الجمعية المغربية لحماية المال العام، والجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، ونقابة المحامين بالمغرب، هذا التراجع، واصفة إياه بـ”غير المبرر وغير المفهوم”. وأعربت عن أسفها لتخلي نقابة وطنية عريقة، كانت دائمًا داعمة للنضال الحقوقي، عن دورها في دعم قضايا مكافحة الفساد. وتساءلت الجمعيات: كيف يمكن لنقابة تمثل الصحافة، ركن الشفافية والمساءلة، أن تعيق نشاطًا يهدف إلى حماية المال العام؟

المبادرة المدنية، التي تضم أكثر من 20 جمعية مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، والمرصد المغربي للسجون، أكدت أن هذا المنع لن يثنيها عن مواصلة جهودها. ودعت وسائل الإعلام لحضور الندوة في مقر ترانسبرانسي المغرب، بزنقة أم الربيع رقم 28 بالأكدال في الرباط، لتقديم مذكرتها التي تكشف عن مخاطر التعديلات الحكومية وتخطط لخطوات ترافعية مستقبلية.

تعود جذور هذا الحدث إلى اجتماع عقدته الجمعيات يوم الثلاثاء 17 يونيو 2025، للتنسيق حول مواجهة تعديلات حكومية مقترحة على قانون المسطرة الجنائية. هذه التعديلات، بحسب المبادرة، تهدف إلى تقييد دور المجتمع المدني في مكافحة الفساد، الرشوة، والإثراء غير المشروع. المذكرة التي أعدتها المبادرة، والتي كان من المقرر تقديمها في الندوة، تتضمن تحليلًا لتأثير هذه التعديلات وتدابير قانونية وترافعية للتصدي لها.

كما أعلنت المبادرة عن تنظيم وقفة احتجاجية أمام البرلمان يوم الثلاثاء 1 يوليو 2025، للتعبير عن رفضها لهذه التعديلات وللضغوط التي تستهدف الناشطين الحقوقيين. هذه الخطوة تؤكد تصميم الجمعيات على مواصلة النضال رغم العراقيل، بما في ذلك منع استخدام مقر النقابة.

تراجع النقابة الوطنية للصحافة المغربية عن استضافة الندوة يثير تساؤلات عميقة حول الدوافع الحقيقية وراء هذا القرار. هل كان المنع نتيجة ضغوط خارجية؟ أم أنه يعكس تغيرًا في موقف النقابة تجاه دعم قضايا المجتمع المدني؟ غياب رد رسمي من رئيس النقابة يزيد من حدة الشكوك، خاصة أن النقابة كانت تاريخيًا داعمة للنضال الحقوقي.

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو توقيت هذا التراجع، الذي يتزامن مع محاولات حكومية لتقييد دور المجتمع المدني في مراقبة الفساد. هذا يثير فرضيات حول وجود جهات تسعى لإسكات الأصوات الناقدة، خاصة في سياق يشهد تصاعد الجدل حول الإفلات من العقاب في الجرائم المالية.

تضم المبادرة المدنية نخبة من الجمعيات الحقوقية، مثل الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، الجمعية المغربية لحماية المال العام، والمرصد المغربي للحريات العامة، بالإضافة إلى منظمات مثل منتدى الكرامة لحقوق الإنسان ومؤسسة عيون لحقوق الإنسان. هذه الجمعيات، التي تمثل صوت المجتمع المدني المغربي، تؤكد التزامها بالدفاع عن الشفافية وحماية المال العام، رغم العراقيل.

منع النقابة الوطنية للصحافة المغربية لندوة تهدف إلى مكافحة الفساد ليس مجرد حادثة عابرة، بل إشارة مقلقة إلى تراجع المساحات الديمقراطية التي كانت ركيزة للنضال الحقوقي. إن صمت النقابة إزاء هذه الاتهامات يزيد من الحاجة إلى مساءلة وشفافية. المبادرة المدنية، بتصميمها على مواصلة النضال، ترسل رسالة قوية: لن تُسكت الأصوات المناهضة للفساد، مهما كانت العراقيل.

ندعو الرأي العام لمتابعة هذه القضية عن كثب، والمشاركة في الندوة الصحفية بمقر ترانسبرانسي المغرب، والوقفة الاحتجاجية أمام البرلمان، لأن حماية المال العام مسؤولية الجميع.

المصدر: بلاغ المبادرة المدنية لمكافحة الفساد وحماية المال العام، صحيفة صوت المغرب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!