مع الحدث :أبعاد ودلالات إعفاء ولاة فاس ومراكش،،،

في قرار فاجأ الرأي العام تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع ليلة أمس،تأكد مع بزوغ الفجر خبر إعفاء كل من معاذ الجامعي، والي جهة فاس، وفريد شوراق، والي جهة مراكش، من مهامهما بسبب خروجهما عن التوجيهات الملكية، حيث ظهرا خلال عيد الأضحى وهما يتباهيان بذبح أضحيتهما، في وقت دعا فيه جلالة الملك، شخصيًا، الشعب المغربي إلى الامتناع عن النحر مراعاةً للوضعية المقلقة للقطيع الوطني، مكتفيًا بذبح أضحية العيد نيابةً عن رعاياه الأوفياء.
قد يبدو قرار الإعفاء للوهلة الأولى إجراء روتيني ضمن آليات المحاسبة الإدارية وهذا أمر لا تتناطح فيه عنزتان، لكن تزامن الإعفاء، مع خصوصية “الزمكان”، يحملان دلالات تتجاوز قرار الإعفاء نفسه لأن عيد الأضحى وذبح شعيرة العيد في المغرب ليس مناسبة دينية فحسب، بل هو حدث ذو حمولة سيادية ترتبط مباشرة بإمارة المؤمنين، حيث يبرز الملك كضامن للشعيرة في أبعادها المتعددة : الدينية والاجتماعية والسياسية. لذا، فإن أي تقصير في هذا السياق لا يُفسر كإخفاق إداري فحسب ، بل يُقرأ كمساس غير مباشر بالزمن الرمزي للدولة ككل وهذا ما لم يستوعبه الواليان الذين يبدوا أنهما “ما فاهمين والو”.
صحيح أن الإعفاء كان نتيجة سوء تقدير وتدبير، لكنه يخفي في ثناياه أكثر مما يظهر. فالمؤكد أن الحزم الملكي لم يكن رد فعل على الإهمال وحده، بل أيضاً على تحوّل الاجتهاد المجالي بعدما أصبح بعض المسؤولين المحلين يعتبرون أنفسهم “أمراء وملوك” وكاننا نعيش عصر “المماليك”.
من فاس الى مراكش ومن تم الى الرباط، ثم تطوان أين يقضي عاهل البلاد عطلته السنوية…”جغرافية” الرسالة كانت واضحة لم أراد أن يتذكر أننا في مملكة لا مجال فيهآ للصدف،… أعني أن كل شيء عندنا يجري بحسبان كما تجري الشمس والقمر .
فاس ومراكش،ليستا مجرد وحدتين إداريتين تابعتين لأم الوزارات فحسب، بل هما عاصمتان تاريخيتان لمملكة وملكية دائمة مستقرة على امتداد اثنى عشر قرنا خلت ومهد الشرفاء الادارسة والمرابطين،وما تحمله الحاضرتان من عمق سياسي وروحي، بحجم ركيزتين أساسيين لرمزية السيادة المغربية. لهذا، فإن إعفاء والييهما في لحظة دينية حساسة يحمل عدة رسائل في رسالة الإعفاء،،، رسائل ليست موجهة إلى الموظفين الذين نطحهما “كبش” العيد فقط بل للأمكنة وللتاريخ والذاكرة لأن الإعفاء أو العزل ليس حدث معزول أو مجرد قرار إداري عادي، بل جزء من خطاب الدولة الرمزي.
فعندما يُعفى والٍ او عامل او ممثل للسلطة المحلية أراد عن قصد او دون قصد، خلق “مركزية موازية على هواه”،،، (مركزية) تهدد احتكار الدولة للرمز والسيادة فإن من يتم إبعاده وعزله ليس الشخص فقط، بل هي القراءة الخاطئة لتوجهات دولة لا تُعلن حدودها صراحة، لكنها تعرف جيدا كيف تحميها وتحافظ عليها بأدوات وبلغة إجراءات، خاصة بها في لحظات خاصة يمتزج فيها الدين بالسياسة، والغرور بكرسي المسؤولية.
عيشي يا بلادي الغالية يا حبي لكبير.
عبد العزيز ملوك.