معاناة المرضى زارعي الكلى في المغرب: دواء “نيورال” مفقود والحياة على المحك

وسط صمت رسمي مقلق، تتفاقم معاناة مئات المرضى المصابين بالقصور الكلوي وزارعي الكلى في المغرب، بعد اختفاء دواء “نيورال ” NEORAL من رفوف الصيدليات. هذا الدواء الحيوي، الذي يمثل شريان حياة للمرضى المستفيدين من زارعة الكلى لتفادي رفض أجسادهم للعضو المزروع، أصبح مفقودًا في السوق، مما جعل العديد منهم في مواجهة مباشرة مع خطر الموت.

ويعد “نيورال” من الأدوية الأساسية التي لا تحتمل التأخير أو الانقطاع، إذ أن التوقف عن تناوله يعرض حياة المريض لمضاعفات خطيرة قد تنتهي بفشل الزرع وتدهور الحالة الصحية بشكل لا رجعة فيه. وبالرغم من خطورة الوضع، فإن الجهات المعنية تواصل تجاهل التحذيرات المتكررة من مؤسسات مدنية وحقوقية، مطالبةً بتدخل عاجل لضمان استمرارية العلاج لهؤلاء المرضى.

أزمة دوائية متفاقمة

ووفق ما أوردته جريدة “الأخبار” في عددها الصادر يوم الجمعة 27 يونيو 2025، فإن أزمة انقطاع الأدوية، وعلى رأسها “نيورال”، تندرج ضمن سلسلة طويلة من الأدوية الحيوية التي تعرف ندرة مقلقة في السوق المغربية. الأزمة لم تعد ظرفية أو استثنائية، بل باتت تعكس هشاشة هيكلية في المنظومة الدوائية وتطرح علامات استفهام حول فعالية السياسات العمومية في تدبير وتوزيع الدواء.

في المقابل، يضطر المواطنون إلى التنقل بين عشرات الصيدليات يوميًا، في مشهد بات مألوفًا لكنه يختزل فشلًا واضحًا في ضمان الحق في العلاج، الذي يكفله الدستور المغربي كحق أصيل لا يقبل التأجيل أو التفريط.

تحذيرات ومطالب بتدخل عاجل

الجامعة المغربية لحقوق المستهلك كشفت عن أرقام صادمة تفيد بانقطاع أكثر من 600 نوع من الأدوية من الأسواق، من بينها أدوية أساسية لمرضى القلب والسكري والقصور الكلوي. وطالبت الجامعة بإنشاء نظام وطني لليقظة الدوائية، يضمن التبليغ الفوري عن الأدوية المنقطعة وتوفير بدائل آمنة في الوقت المناسب، إضافة إلى وضع مخزون استراتيجي يمكن الاعتماد عليه في حالات الطوارئ.
ودعت الجامعة شركات الأدوية والموزعين إلى تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية والمهنية، مشددة على أن افتعال الأزمات أو الاستفادة من الوضع لتحقيق أرباح مرفوض قانونيًا وأخلاقيًا، ويتنافى مع مبدأ الأمن الصحي للبلاد.
مسؤولية وزارة الصحة والتقاعس المستمر
القانون 17.04 المتعلق بمدونة الصيدلة والأدوية في المغرب يلزم وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بضمان توافر الأدوية الحيوية في السوق الوطنية لمدة لا تقل عن 3 أشهر. كما أن المرسوم الصادر سنة 2002 يُلزم المصنّعين المحليين باحترام المخزون الاحتياطي للأدوية، تحت المراقبة الدائمة للمرصد الوطني لمراقبة الأدوية.
لكن على أرض الواقع، لا تزال هذه المقتضيات القانونية حبرًا على ورق، وسط غياب آليات رقابة فعالة وقرارات حازمة لتصحيح الوضع، الأمر الذي يجعل المواطن المغربي أول الضحايا في سلسلة من التجاذبات والمصالح غير الشفافة.

هل الحل بعودة “الصيدلية المركزية” ؟

يرى مختصون أن الحلول متوفرة، وتتمثل في تفعيل دور الصيدلية المركزية التي كانت في السابق تستورد وتوزع الأدوية بشكل مباشر، أو في إلزام الشركات المصنعة والمستوردة بواجبها الوطني والاجتماعي من خلال الالتزام بمقتضيات المرسوم رقم 02-263 بتاريخ 2002/06/12 خاصة فيما يتعلق بواجبات الصيدليات والمؤسسات الصحية المتعلقة بالمخزون الاحتياطي للأدوية. كما يقترح البعض أن تتحمل الدولة مسؤولية استيراد الأدوية الحيوية على نفقتها الخاصة، او الترخيص للأدوية الجنيسة، حماية لحق المواطن في العلاج وضمانًا لاستقرار منظومة الصحة.

ختامًا: حياة لا تقبل التأجيل

ما يعيشه مرضى القصور الكلوي وزارعي الكلى اليوم ليس مجرد أزمة دوائية، بل أزمة ثقة في المؤسسات. فحين تُترك حياة الإنسان رهينة توفر دواء، وتعجز الدولة عن حماية أبسط حقوقه، فإن الأمر يستوجب أكثر من مجرد التحذير، بل يتطلب محاسبة ومراجعة شاملة لمنظومة الدواء في المغرب.

الدواء ليس رفاهية، بل ضرورة حيوية. وغيابه هو بمثابة حكم غير معلن على فئة من المرضى، حكم لا يُمكن القبول به في دولة ترفع شعار الحق في الصحة والمواطنة الكاملة.
خ.م

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!