مسيرة الكرامة: مزارعو القنب الهندي في غفساي يطالبون بحقوقهم في تاونات
عادل راشد(جيل 24 بتصرف) – غفساي 5 غشت 2025
في خطوة احتجاجية لافتة، خرج مزارعو القنب الهندي المقنن في منطقة غفساي، التابعة لإقليم تاونات شمال المغرب، في مسيرة رمزية أطلقوا عليها اسم “مسيرة الكرامة”، متجهين سيراً على الأقدام نحو مقر عمالة تاونات. هذه التحركات، التي تأتي في سياق اقتصادي واجتماعي معقد، تعكس استياءً عميقاً لدى الفلاحين بسبب تأخر تسليم مستحقاتهم المالية بعد تسليم محاصيلهم إلى التعاونيات الزراعية المعنية. في هذا المقال الاستقصائي، نستعرض خلفيات هذا الحراك، أسبابه، وتداعياته، معتمدين على مصادر موثوقة ومعلومات ميدانية.خلفية القضية: تقنين القنب الهندي.
خلفية القضية: تقنين القنب الهندي وتحديات التنفيذ
منذ إقرار القانون رقم 13.21 في مارس 2021، شرع المغرب في تقنين زراعة القنب الهندي لأغراض طبية وصناعية في مناطق محددة، منها إقليم تاونات ودائرة غفساي. هذا القرار، الذي أتى بعد عقود من الحظر، هدف إلى تحسين دخل المزارعين، حمايتهم من شبكات التهريب غير القانونية، وتنمية مناطق الريف المهمشة اقتصادياً. وفقاً للوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، بلغ إنتاج أول محصول قانوني في 2023 حوالي 294 طناً، تمت زراعته على مساحة 277 هكتاراً بمشاركة 430 مزارعاً عبر 32 تعاونية في أقاليم الحسيمة، تطوان، وشفشاون، بالإضافة إلى تاونات.
في غفساي، التي تضم عدداً من التعاونيات مثل “تسياست” و”السويق” و”جبال البيان”، استبشر المزارعون خيراً بالتقنين، خاصة بعد العفو الملكي في غشت 2024 الذي شمل أكثر من 4800 مزارع، مما أنهى ملاحقات قضائية طويلة الأمد وسمح لهم بالاندماج في الاقتصاد القانوني. لكن الواقع بدا أقل تفاؤلاً، إذ سرعان ما واجه الفلاحون تحديات جديدة، أبرزها تأخر صرف المستحقات المالية عن محاصيلهم.
مسيرة الكرامة: صرخة احتجاج
اليوم، 5 غشت 2025، نظم مزارعو القنب الهندي في غفساي مسيرة احتجاجية نحو عمالة تاونات، للتعبير عن غضبهم من تأخر التعاونيات في صرف مستحقاتهم المالية. هذا التأخير، وفقاً لمصادر ميدانية، أدى إلى أزمة مالية خانقة للعديد من الأسر التي تعتمد بشكل رئيسي على زراعة القنب الهندي. الكثير من هؤلاء المزارعين اضطروا إلى اللجوء إلى القروض لتلبية احتياجاتهم اليومية، مما زاد من مديونيتهم وفاقم معاناتهم الاقتصادية.
وفقاً لتقارير، فإن المزارعين سلّموا محاصيلهم إلى التعاونيات المعتمدة، لكنهم لم يتلقوا الأموال المتفق عليها في الوقت المحدد، مما أثار مخاوف من سوء الإدارة أو نقص الشفافية في سلسلة التوريد. عبد اللطيف مجاهد، حقوقي من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع غفساي، أكد أن الفلاحين يعانون من وضع اقتصادي هش، مشيراً إلى أن التقنين كان يفترض أن يكون فرصة للتصالح مع هذه المنطقة وتنميتها اقتصادياً واجتماعياً. لكن التأخير في صرف المستحقات يهدد بتقويض هذه الآمال.
دوافع الاحتجاج: بين الوعود والواقع
تكشف مسيرة الكرامة عن فجوة بين الوعود الحكومية والواقع الميداني. فقد كان الهدف من تقنين القنب الهندي هو تمكين المزارعين اقتصادياً وحمايتهم من هيمنة تجار المخدرات غير القانونيين. لكن، كما أشار مزارع من منطقة كتامة، فإن “المستفيد الأكبر من زراعة القنب الهندي كان دائماً التاجر والمهرب، وليس المزارع البسيط“. هذا الشعور يعكس إحباطاً متزايداً بين الفلاحين الذين كانوا يأملون أن يؤدي التقنين إلى تحسين ظروفهم المعيشية.
إضافة إلى ذلك، هناك مخاوف من أن القوانين الجديدة قد تفيد الشركات الكبرى أكثر من صغار المزارعين. فعلى الرغم من منح الوكالة الوطنية لتقنين القنب الهندي 430 ترخيصاً لمزارعين و179 ترخيصاً لأنشطة تحويل وتسويق، إلا أن بعض المزارعين يرون أن النظام الحالي لا يزال يعاني من بيروقراطية وغموض في التطبيق، مما يعيق استفادتهم الكاملة من التقنين.
تداعيات وتساؤلات: إلى أين يتجه الملف؟
مسيرة الكرامة ليست مجرد احتجاج عابر، بل إشارة إلى تحديات هيكلية في تنفيذ سياسة تقنين القنب الهندي. من جهة، هناك حاجة ماسة إلى تعزيز الشفافية في إدارة المستحقات المالية وضمان وصولها إلى المزارعين في الوقت المناسب. من جهة أخرى، يتطلب الأمر استحضار خصوصيات المناطق المنتجة، مثل غفساي، مع الأخذ بعين الاعتبار العوامل البيئية والاجتماعية لضمان استدامة هذا القطاع.
تثير هذه القضية تساؤلات جوهرية:
- هل ستتمكن السلطات من معالجة شكاوى المزارعين واستعادة ثقتهم في المشروع؟
- وهل ستتم مراجعة آليات توزيع الأرباح لضمان عدالة أكبر؟
- وما هو دور التعاونيات في هذا السياق، وهل هي قادرة على تحمل مسؤولية إدارة هذا القطاع الحساس؟
ختاما: صوت المزارعين يستحق الإصغاء
مسيرة الكرامة في غفساي هي صرخة من مزارعين يطالبون بحقوقهم في ظل ظروف اقتصادية صعبة. إن نجاح مشروع تقنين القنب الهندي يعتمد على قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها تجاه صغار المزارعين، الذين يشكلون العمود الفقري لهذا القطاع. في انتظار رد فعل السلطات المحلية والوطنية، يبقى هذا الحراك دعوة مفتوحة للحوار والإصلاح، من أجل بناء اقتصاد عادل يراعي خصوصيات منطقة الريف ويحقق طموحات ساكنتها.
المصادر:
- تقارير وكالة فرانس برس ورويترز حول تقنين القنب الهندي في المغرب..
- تصريحات الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع غفساي.
- تقرير موقع زنقة 20 عن احتجاجات تاونات.
- بيانات الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي.
