محمد لغروس في نقد حوكمة الصحافة المغربية… انتهاكات منهجية للأخلاقيات وتحديات الإصلاح الديمقراطي

في تدخل، قال عنه، صريح وجريء، كشف الصحفي محمد لغروس عن صورة مقلقة للواقع الإعلامي في المغرب، حيث تتجلى انتهاكات منهجية لأخلاقيات الصحافة، محذرا من “تجارب إعلامية مشوهة” تهدد دور الإعلام كسلطة رابعة في بناء مجتمع ديمقراطي.
نحاول في هذا المقال إلى تحليل تدخله، مُبرزا التحديات الأخلاقية، مشكلات القيادة، وضرورة الإصلاح الديمقراطي لضمان حرية ومسؤولية الصحافة.
يؤكد لغروس أن الصحافة المغربية تعاني من “انتهاكات منهجية” لأخلاقيات المهنة، لا تقتصر على أخطاء عرضية، بل تتجلى في سلوكيات متعمدة، وكأن “بعض الأفراد يبحثون كل صباح عن كيفية خرق القواعد”. ومن الأمثلة الصارخة، التزوير في الوثائق، بما في ذلك شهادات ودبلومات، من قبل مؤسسات إعلامية، دون أن يترتب على ذلك أي ملاحقة قضائية تذكر. هذا الغياب للإرادة في تطبيق القانون يثير تساؤلات حول التزام المسؤولين بحماية الأخلاقيات المهنية، مما يؤدي إلى حالة من “الفوضى” في القطاع.
يشير لغروس إلى “مشكلة حقيقية” في اختيار قيادة مهنية ديمقراطية، ويصف بـ”السريالي” فكرة أن يتولى أشخاص “تخصّصهم انتهاك الأخلاقيات وقانون الصحافة” مسؤوليات مثل إصدار البطاقات المهنية أو التحكيم بين الصحفيين. ويستعير تشبيها بليغا: “إذا سلمت حراسة الأغنام إلى الذئب، فلا تتساءل عن النتائج”. هذا الوضع يعكس أزمة عميقة في اختيار قيادات إصلاحية قادرة على تطبيق القوانين وتعزيز الأخلاقيات، حيث يؤكد أن “من ليس مصلحا لا يمكنه تنفيذ الإصلاح”.
يشدد لغروس على أهمية تبني “آليات انتخابية صلبة” لإنتاج نخبة مهنية “غيورة على المهنة”. فالديمقراطية يجب أن “تُعاش” داخل القطاع الإعلامي، من خلال “إجراءات ديمقراطية دقيقة وشاقة” تضمن اختيار قيادات تمثل الصحفيين وأرباب الصحافة بطريقة شفافة ونزيهة. ويحذر من الاعتماد على “التعيين والانتداب”، معتبرا إياها ممارسات غير ملائمة للواقع الحالي.
كما يبرز مفهوم “التنظيم الذاتي” كركيزة دستورية تدعمها السلطات، لكن مع تحذير من مخاطر سيطرة السلطة التنفيذية على هذه التجربة، مما قد يقوض استقلاليتها. ويُشار إلى “مقترح قانون مشؤوم” كمثال على محاولات المساس بهذا التنظيم الذاتي. ويؤكد لغروس أن الصحافة، بصفتها “السلطة الرابعة” وحارسة الديمقراطية، يجب أن تكون “أول من يقدم المثال” في الممارسات الديمقراطية والأخلاقية.
يُعرب لغروس عن أسفه لتراجع “الرهان على الوعي الجماعي والمهني”، حيث باتت الأهداف والمصالح تطغى على المبادئ الأخلاقية والديمقراطية. ويحذر من أن الوثائق والدراسات التي تُترك على الرفوف “ستظل تتهمنا وتشهد على واقع مزيف يتناقض مع كل ما هو مكتوب”. هذا الغياب للوعي يُفاقم أزمة الثقة في القطاع، ويُعيق تحقيق إصلاحات حقيقية.
ويمكن تلخيص حديث لغروس في الدعوة إلى إعادة تقييم جذري للحوكمة الإعلامية بالمغرب، مع التأكيد على ضرورة قيادة مهنية ديمقراطية، آليات انتخابية شفافة، وتنظيم ذاتي مستقل. فالصحافة، كما أشار في إطار الدستور لسنة 2011 والرسالة الملكية لعام 2002، ليست مجرد مهنة، بل ركيزة أساسية لبناء مجتمع ديمقراطي. ومع ذلك، فإن استمرار الانتهاكات الأخلاقية، غياب الإرادة في تطبيق القانون، وتدخل السلطات في التنظيم الذاتي، يهدد بتقويض هذا الدور. لذا، يبقى التحدي الأكبر هو استعادة الثقة في الصحافة عبر إصلاحات ديمقراطية حقيقية وتعزيز الوعي الجماعي بأهمية الأخلاقيات المهنية.