مجرد رأي.. حول ضرورة الحركية في مناصب المسؤولية

حركية المسؤولين في مناصب المسؤولية لها ميزتان ، فإما أن يكون المسؤول قد راكم من الخبرة ما يكفي و نجح في تحقيق الفعالية المطلوبة في ما ينجزه من مشاريع حيث هو ، و بالتالي ينبغي الاستفادة من تلك الخبرة و الفعالية في مناطق أخرى في إطار تحقيق العدالة المجالية و الانصاف و التكافؤ في الاستفادة من خدمات ذات جودة تسهم في تنمية مستدامة للبلاد، و إما أن يكون قد نسج علاقات ضمنية كثيرة و أصبح جزءا من شبكة علاقات غير ظاهرة لتبادل المصالح و الامتيازات ، و بالتالي يصبح تغيير مكانه ، أدنى إجراء قد يتخذ في حقه ، ليترك المكان لغيره ممن قد ينخرط في التأسيس لنمط جديد من التدبير ، قد يقطع فيه مع كل الممارسات السابقة و يكون أكثر شفافية و إنصافا و عدلا و عطاء.

إجراء من شأنه تكسير بعض روابط شبكة المصالح التي كان طرفا فيها و التي غالبا ما تكون هي الضامنة لاستمراره في القيام بما يقوم به و الميسرة له سبل الاستفادة من بعض الخدمات و الامتيازات ، هو و معاونيه و كل من يسيرون في صفه و يأتمرون بأمره ، في إطار علاقات ضامرة مقابل تيسيره أمور من ينتمون لشبكة المصالح المشتركة معه مستغلا موقعه و مكانته عملا بمنطق اعطيني أعطيك. في كلتا الحالتين تكون المؤسسة التي يشتغل المسؤول لصالحها هي المستفيدة و من خلالها مرافقها و روادها و كل المستفيدين من خدماتها، بل و البلد بكامله.

لا يمكن أن يظل المسؤول قابعا في نفس المكان و لسنوات طويلة بمبررات غير مقنعة و هو يعلم يقينا أنه استنفد كل ما لديه من مجهودات، إن توفرت أصلا لديه، لتطوير الأداء و إرساء آليات الحكامة الضرورية لتأمين قيام المرفق المسؤول عنه بخدماته بكل فعالية ، كما لا يمكن أن تظل الاستفادة من خدماته ، إن كانت جيدة و بالفعالية المطلوبة و منتجة ، محصورة في مكان معين او منطقة بعينها.

الأصل في إسناد منصب المسؤولية هو تقديم مشروع برنامج عمل حقيقي في مجال الاهتمام و لصالح مجال ترابي معين و الدفاع عنه أمام لجنة مختصة قبل الاقتراح من أجل التعيين في المنصب ، و هو ما يعني إبرام ميثاق تعاقد من قبل الفائز بالمنصب مع الإدارة الوصية على القطاع الذي تم تعيينه لتحمل المسؤولية فيه ، ميثاقا يتجاوز الطرفين إلى كل من له صلة بالقطاع مرتفقا أو مستفيدا يجسده مشروع برنامج العمل الذي تقدم به و الذي يفترض به أن ينزل ميدانيا و بالشكل الذي يحدث التغيير الإيجابي المطلوب ، و هو ما يجعل مسألة انتقال أي مسؤول من مكان إلى مكان في إطار حركة عادية أو استثنائية لا يقدم فيها أي شيء و لا أي حساب و لا حتى أي معلومات مهما كانت بسيطة حول المكان الذي انتقل إليه أو غادره غير ذات معنى و غير منسجمة مع قاعدة الميثاق التعاقدي المفترض و لا يمكن أن تفسر إلا في إطار ريع مصلحي ضار ينبغي تكسير مسبباته و القضاء عليه.

من المفترض أن يشكل تقديم المشروع لتطوير القطاع الذي سيشتغل المسؤول لصالحه اللبنة الأولى في بناء صرح الحكامة الجيدة ، بينما يشكل إرساء آليات التواصل و نهج التدبير التشاركي الشفاف و إرساء ميثاق أخلاقي داخل البنية الإدارية التي تقع تحت مسؤوليته لبنات أخرى لهذا البناء ، ثم يأتي التحمل الكامل للمسؤولية و تقديم الحساب ، بكل صدق و أمانة، ليتمم التشكيل النهائي لبناء قد يرفع من قيمة صاحبه و يدفع به لتوسيع مجال اشتغاله و يتيح للناس و الوطن إمكانية الاستفادة من خبراته و خدماته في أماكن أخرى و من خلال آفاق أخرى أو يدفعه للخروج من الباب الضيق لفسح المجال لمن هم أكفأ منه أو أجدر و أكثر حرصا منه على مصلحة البلاد و العباد و لديهم الإرادة الحقيقية للعمل و الفعل و واعون بجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقهم و قادرين على تحملها.

مسألة أخرى مرتبطة بهذا البناء لها أهميتها الخاصة ؛ يتعلق الأمر بتقديم الحساب الذي ينبغي أن يكون بما يكفي من الوضوح ، بعيدا عن أي لغة خشب أو مؤشرات كمية غير ذات دلالة و غير عاكسة لأي وقع حقيقي للأداء ، وبالصرامة اللازمة التي تحول دون إرساء أي بنيات ضمنية حاضنة لكل أشكال التواطؤ الضار بسير المؤسسة و بأداء العاملين فيها و مصالح مرتفقيها.هو أمر غالبا ما لا يعيره الكثيرون الاهتمام اللازم ، بالرغم من أنه يمس ، في العمق ، قضايا الإنصاف و تكافؤ الفرص و يؤثر سلبا على ضمان التوازن المجالي المنشود ، و يهدد مبدأ الاستحقاق و يحول دون الاستفادة من كفاءات البلد ، التي تظل ، في أحيان كثيرة، على هامش شبكات المصالح التي قد تنسج بعيدا عن الأعين ، و هي تتابع في صمت مفسدة هنا و اختلالا هناك.

محمد طويل

28 يناير 2022

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى