مات الرئيس التونسي ولم يترك وراءه الفوضى..

حميد عزيز – الدارالبيضاء

ظل الجيش في ثكناته يمارس وظيفته الدستورية.ولم يتدخل بدعوى الحفاظ على الأمن والدولة والمؤسسات.

كل الأحزاب الصديقة والمنافسة وقفت موقفا واحدا من شخصه ودوره، ولم تمنعها الاختلافات معه عن نعيه والاشادة بدوره في لحظة فارقة من تطور البلد.

وظل الشارع التونسي هادئا يترقب تطورات الموقف، دون أن تسجل عليه حالة واحدة من حالات الارتباك ، او استغلال الظرف لتصفية حسابات ما.

كان اللجوء الى الدستور، وتفعيل بنوده كافيا لتجاوز الموقف بسلاسة ويسر لا نجد لهما مثيلا الا في الدول الديمقراطية.حيث يتولى رئيس مجلس النواب منصب الرئاسة الشاغر، ليبدأ مسلسل انتخابي في اجل محدد(بين 45و90يوما).وتبدأ معه المشاورات في هدوء وتوافق تامين، حول امكانية حدوث تغيير ما في الدستور، لتيسير عملية انتخاب الرئيس قبل الانتخابات التشريعية.

فقط عندنا نحن، في البلاد العربية المريضة، وجدنا من يستل الخناجر، للعبث بتاريخ الفقيد، والنيل من شخصه ومن مواقفه.حصل لدينا ما يشبه العثور على كنز ملغوم ، ومحاولة تفجيره في الحشود للاستفراد بما يختنزه.بل وهناك من وجدها فرصة للتشفي والشماتة بلغة رخيصة جدا، وموغلة في الحقد والكراهية.ولا غرابة في الأمر، فأغلبنا مشبع بثقافة الاقصاء، وغير متعود على قبول هذا النوع من السلوك الديمقراطي الراقي.وهذا الدرس الاستثنائي في واقع موبوء بكل أمراض القداسة والتنطع.

تحضرني في هذه اللحظة حكاية الزعيم الوطني،رغم أنف المشككين، بورقيبة، وهو يرد على القذافي الذي استهجن اصراره على تعليم الشعب،قائلا(أن يثور عليك شعب متعلم، خير ألف مرة من أن يثور عليك شعب جاهل).

ان ما تعيشه تونس اليوم ، هو في بعض أوجهه ثمرة لجهود نخبته في تأصيل الديمقراطية، واستنبات أساسيات المجتمع العصري.

قد نختلف مع الرجل، وهو أمر عادي، لكننا نكون مجحفين في حق المجتمع ككل، اذا أنكرنا عليه هذا الرقي والتحضر في تجاوز معاناته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى