لا يستطيع العالم تحمل حرب باردة جديدة

ليس سرا أن العلاقات الصينية الأمريكية تدهورت بسرعة خلال الأشهر الأخيرة. وتوحي الخطابات والإجراءات الصادرة من البلدين باقتراب العالم من حافة الحرب الباردة الجديدة بشكل مقلق. في عصر مليئ بعوامل عدم اليقين، هل يحتاج العالم إلى حرب باردة جديدة بين أكبر اقتصادين بالفعل؟ أو هناك اتجاه آخر بالنسبة للعلاقات الصينية الأمريكية؟

الفصل الأول: سباق اللقاح 

نظرا لأن العالم بأسره يعاني من وباء “كوفيد-19” في الوقت الحالي، يقوم البشر بالبحث عن العلاج النهائي: اللقاح.

في هذا الصدد، يكون ما لا يقل عن 150 لقاحا قيد التطوير الآن في مختلف دول العالم، وتجيء الصين والولايات المتحدة في طليعتها. لكن لسوء الحظ، الجائحة هي ليست الوحيدة التي يتم تسييسها واستغلالها كالسلاح، وإنما اللقاح أيضا.

في الآونة الأخيرة، وجه ريك سكوت، السناتور الجمهوري عن ولاية فلوريدا، أصابع الاتهام إلى الصين بأنها “تحاول تخريب أو إبطاء تطوير اللقاح في الولايات المتحدة”. ولكن أليس هذا سباقا لا يمكن لأحد أن يخسره؟

بعد أن يتم إنتاج اللقاح الأول، ستكون أولوية دول العالم إيجاد طريقة التعاون الفعالة في تصنيعه بكمية هائلة ونقله إلى جميع الدول الموبوءة وضمان المساواة في توزيعه، ولا يمكن للعملية الشاقة أن تتجنب التعاون الثنائي الصيني الأمريكي.

كما قال سيث بيركلي، الرئيس التنفيذي للتحالف العالمي للقاحات والتحصين: “من المفهوم، بالطبع، أنه في أوقات الأزمات العالمية، يميل كل واحد من قادة العالم إلى التركيز على احتياجات الشعب والقضايا الوطنية في بلاده. ولكن إذا كان العلم والتصنيع عالميا، فيجب أن تكون القدرة على التعامل مع الوباء عالمية أيضا، لذا فإن ما نحتاجه هو تعاون غير مسبوق بين جميع البلدان.”

الفصل الثاني: آخر شيء يحتاجه الاقتصاد العالمي

تضرر الاقتصاد العالمي بشدة من الجائحة الحالية، ويتوقع البعض أن يكون الأداء الاقتصادي العالمي لهذا العام أسوأ مما كان عليه عام 2008 حيث اندلعت الأزمة المالية العالمية.

هذا وعانى الاقتصاد الصيني في الربع الأول لهذا العام من انكماش بنسبة 6.8% بسبب الإجراءات الصارمة للسيطرة على انتشار الوباء. بينما كان الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي في الربع الثاني يسجل انخفاضا قياسيا قدره 32.9%. مع احتدام أزمة كورونا على الصعيد العالمي، فإن الحديث عن فك الارتباط بين البلدين أو إنهاء اتفاقية المرحلة الأولى التجارية بين الصين والولايات المتحدة لن يؤدي إلا إلى إخماد شرارة الآمال في تحقيق الانتعاش.

وقال تشيان جيون، أستاذ لكلية المالية الدولية بجامعة فودان الصينية: “إن العلاقات التجارية الثنائية بين الصين والولايات المتحدة مهمة للغاية في فترة الأزمة الاقتصادية. ما حدث قبل 100 عام خلال فترة الكساد الكبير في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي لقننا درسا مهما، حيث كانت الأزمة تصبح أكثر تعقيدا ومطولة، لأنه بدلا من كسر الحواجز التجارية، أقامت البلدان والاقتصادات الكبرى حواجز تجارية بين بعضها البعض.

وتتوقع وكالة الأنباء رويترز أن الاقتصاد العالمي سينكمش بنسبة أربعة في المائة هذا العام بسبب الوباء، بزيادة قدرها 3.7 في المائة عن الانكماش المتوقع في يونيو. وآخر شيء يحتاجه الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي هو تدهور العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة. 

الفصل الثالث: إحراق الجسر؟

التجارة ليست الوحيدة التي تعاني الآن. ستلحق خطة الرئيس ترامب لمنع الطلاب الصينيين من دخول الجامعات الأمريكية خسائر فادحة قيمتها 1.15 مليار دولار من عائدات الرسوم الدراسية بهذه الجامعات على مدى السنوات العشر المقبلة.

ولا تقتصر الخسائر في الأموال فقط.

في يوليو الماضي، أنهى ترامب برنامج تبادل فولبرايت الرائد في الصين، مما أدى فعليا إلى ردم قناة التبادل القيمة للمواهب بين البلدين.

قد تعتبر إدارة ترامب ذلك عقوبة على الصين، لكنها تغلق بابا آخر أمام البلدين للتفاهم والتبادل. وإن التداعيات، رغم أنها غير ظاهرة الآن، يمكن أن تكون كارثية في السنوات القادمة.

فهناك سؤال مهم: هل الولايات المتحدة مستعدة للعمل مع بلد يختلف عنها جوهريا لتجنب الخسائر الناجمة عن الحرب الباردة الجديدة والتي لا يستطيع أي طرف أن يتحملها؟ هل الولايات المتحدة ترغب في كتابة فصل جديد عن التعاون بدلا من المجابهة في سجل العلاقات بين البلدين في العصر الجديد؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى