في قلوبنا الطفل ريان

عبد السلام المساوي
أخيرا اجتمعنا على حدث ما . أصبحنا كلنا أسرة واحدة قلقة مع والدي الطفل ريان .
مثل هذه المأسي تصهر معادن الناس وتعيدها الى أصلها . يتعلق الأمر هنا بحياة طفل لا بد أن ينجو ، لكي يرى بعينيه أن المغاربة لا يزالون بخير ، وسيبقون .
ليست هناك مغربية واحدة ، وليس هناك مغربي واحد يعيش هذه الساعات العصيبة وفي قلبه ريان .
ريان طفل صغير سقط في بئر ضيق نواحي شفشاون منذ الثلاثاء ، وقضى في ذلك البئر ساعات طويلة بعد أن استعصى انقاذه بسبب ضيق الحفرة التي سقط فيها ، مما تابعه المغاربة أولا بأول عبر لايفات مباشرة اهتمت بهاته الحالة المؤلمة التي هزت كل منزل مغربي .
والحدث جعلنا نسجل الروح الانسانية التي أظهرها الكل ، والتي أكدت لنا المعدن الأصيل للناس ، وذكرتنا بأن الغالب في الانسان السوي هو القلب الرحيم الذي يحس بالبعيد قبل القريب ، وأن الحالات الشاذة للكره أو الإبتعاد عن الانسانية التي نطالعها باستمرار هي حالات ستظل شاذة مهما تحدثنا عنها طويلا كلما وقعت .
ريان بدا لكل المغاربة ابنا لهم ، والجميع وضع نفسه موضع والدي الصغير وصاح من قلبه ” يا رب ” ، و ” يا الله ” ، لأن ما تعرض له هذا الصغير المسكين أمر يفوق قدرة التحمل العادية لدى الانسان .
من قلب الألم والمعاناة تولد الأشياء الطيبة ، وحالة ريان المؤلمة كشفت لنا بأن الخير لا زال في قلوب الناس ….
منذ انتشار قنوات البث المباشر في المنطقة ، والصور كلها مسلطة على الحفرة الضيقة لمحاولة نقل ما يقع . هناك من تطوع لاطلاق البث المباشر لاخبار المغاربة بما يقع ، حيث قامت فعلا بعض المنابر بواجبها الاعلامي المقدس ، لكن منابر أخرى حاولت استثمار مأساة عائلة ، ومعها المغاربة جميعا ، وممارسة الاثارة الرخيصة واستغلال ذلك الظرف الإنساني.
كرامة الطفل وأسرته يجب أن تحفظ .
لقد تحولت الحادثة المأساوية التي يعيشها الطفل ريان الى قضية رأي عام وطني ودولي ، وانبرى جزء كبير من المغاربة بكل عفوية لتقديم الدعم واعلان التضامن لإنقاذ الطفل ريان ، وفضل البعض الاخر الركوب السياسي على حادث مأساوي لتصريف مواقفه من مؤسسات الدولة واعلان فشلها قبل أن تنتهي مهمة الإنقاذ ، وبين هذين الصنفين دخل صنف ثالث منهم دبلوماسيون أجانب بالمغرب وصفحات فيسبوكية جزائرية واسعة النطاق تطالب بانقاذ الطفل وكأن السلطات المعنية لا تقوم بأدوارها كما ينبغي وزيادة وهي التي قضت أكثر من 50 ساعة من العمل بدون انقطاع وبالحذر المطلوب .
ولئن كانت حادثة الطفل ريان لا تحتمل من الرأي العام سوى التضامن الإنساني والدعاء الرباني ، فانه ينبغي الحذر من توظيف البعض للحادث من أجل تحقيق مأربه في استهداف عمل المؤسسات وضرب المجهودات المبذولة ، من خلال قلب الحقائق والتلاعب بها ، وهذا ديدن بعض البشر الذين يحترفون الانتصار للشعبوية في الأزمات لخلق أجواء عدم الاستقرار .
في دعوة للإلتزام بأخلاقيات الصحافة في تغطية عملية إنقاذ الطفل ريان نقرأ في بلاغ للمجلس الوطني للصحافة ؛ “يتابع المجلس الوطني للصحافة بأسف شديد بعض الممارسات المشينة، التي صاحبت تغطية محاولات إنقاذ الطفل ريان، الذي سقط في بئر بإقليم الشاون، مسجلا العديد من الخروقات المخالفة لميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة، والتي تم ارتكابها من طرف بعض الصحف الإلكترونية، في تجاهل تام للمبادئ الإنسانية التي يتضمنها الميثاق المذكور، والتي من المفترض أن تلتزم بها المقاولات الصحافية والصحافيون المهنيون، خاصة في ظل أزمات وفواجع، لا يمكن أن تتحول، بأي حال من الأحوال، إلى مجال للربح المادي والإثارة الرخيصة لزيادة عدد المشاهدات وغيرها من أساليب المتاجرة في المآسي الإنسانية. (……..)
ويوجه المجلس دعوة إلى مختلف وسائل الإعلام، من أجل الالتزام بأخلاقيات المهنة ومبادئها النبيلة وقواعدها، منبها أن تغطية الفواجع الإنسانية، تعتبر محكا رئيسيا لمدى احترام الصحافة لمسؤوليتها الاجتماعية وحرصها على ألا تحول الفواجع إلى وسيلة للربح والارتزاق.
والمجلس إذ ينوه بوسائل الإعلام والصحافة التي التزمت بالعمل الصحفي الرصين، يخبر أنه بصدد ضبط مختلف الخروقات التي قد تستحق المتابعة التأديبية، لتفعيل ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة، طبقا لما يسمح به القانون المحدث للمجلس ونظامه الداخلي ومسطرة التصدي التلقائي للانتهاكات.”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى