في رسالة إلى الهامل وزكاغ… لماذا وجب نعت مجلس مدينة وجدة بالفاشل؟

عبد العالي الجابري – المدير العام لجيل24

لا أحد ينكر ما للجماعة المحلية من أهمية في العملية الديمقراطية، فهي العصب الحيوي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لكنها وللأسف تحولت إلى جهاز هضمي لكل ناهب للمال العام كما أصبحت في ظل سياسة الفساد والإفساد مركز حيوي لتزوير المعطيات وإتلاف الحقائق وفبركة الميزانيات وقمع الأغلبية لصالح الأقلية الحاكمة ، إذ وعلى الرغم من كل الشعارات المرفوعة من قبيل إدارة فعالة، خدومة، منفتحة، مواطنة وقريبة من انشغالات المواطنين … فواقع الجماعات المحلية يؤكد عكس ذلك ويظهر للجميع عجزها وفشلها في تحقيق كل مهامها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا بل فشلت حتى في تدبير مرافقها العمومية وفوتتها للخواص ضاربة بعرض الحائط البعد الاجتماعي ولم تبال بالزيادات الإضافية في أسعار خدمات عمومية حيوية بعد خصخصتها، الشيء الذي يؤكد مزيدا من ضعف الأداء وعدم القدرة على استثمار امثل لمهارة حل المشكلات وترشيد الموارد والإمكانات المادية والبشرية.

مناسبة هذا الحديث هو ما حدث بالمجلس البلدي بمدينة وجدة، صباح اليوم الثلاثاء 9 يوليوز 2019، حيث اكتشفت على الأقل أنا الذي غبت عن الحقل السياسي المحلي منذ مدة، أن مجلس مدينتنا يعيش حالة فريدة من نوعها فجرتها أمام مسامع وأعين الحاضرين دورة استثنائية ، وكانت استثنائية فعلا في الحياة السياسية بوجدة، معالم هذا الاستثناء تمثلت في ما يلي:

  • غياب رئيس المجلس عمر حجيرة (حزب الاستقلال) عن   دورة استثنائية سرع هو شخصيا مسطرة عقدها،
  • غياب جميع أو أغلب أعضاء المجلس المنتمين لحزب الاستقلال،
  • الصعوبة كبيرة  التي وجدها نائب الرئيس (الأصالة والمعاصرة) لضبط سير الدورة أغلب الحاضرين فيها من نفس الحزب (الأصالة والمعاصرة)،
  • انقسام أعضاء حزب العدالة والتنمية الى فئة انسجمت مع تعليمات الأمانة العامة للحزب، وفئة أخرى لا تعترف إلا بالمصلحة الخاصة لها ولأعضائها،
  • اتساع الشرخ القائم بين فريقي حزب الأصالة والمعاصرة، حيث عمد فريق رئيس الجهة الى الانتقام من رفاقهم الذين يؤيدون المبادرة التصحيحية التي يعرفها الحزب على الصعيد الوطني.
  • –         …..

طبعا التقاء كل هذه الاختلافات والخلافات ومحاولة حلها في جلسة استثنائية سيكون ضربا من ضروب الخيال السياسي…. لكن ما سيضفي على الدورة نوعا من الخصوصية اقتحام الجلسة من طرف بعض مواطني المدينة (اغلبهم شباب) في سابقة تاريخية  بوجدة ورفعهم شعارات تطالب عمر حجيرة بـ”الرحيل”، ولافتات أخرى تطالب باسترجاع 4 ملايير… بل سجلنا ان الكيل طفح بهم ودخلوا في سجالات وتلاسنات مع بعض المستشارين، وصل الامر الى حد تهديدهم من طرف نائب الرئيس بوكابوس، الذي كان يسير الجلسة، بتطبيق القانون في حقهم ان هم لم يلتزموا بالصمت….  لكن هم الذين جاؤوا دفاعا عن مصلحة المدينة، لم يلتزموا بذلك إلا بعد رفعهم  شعار “بوكابوس ارحل” … طبعا هي سابقة سيكون لها تبعات أخرى تنبئ بعواقب قد يتحملها المجلس برمته.

وطبعا الجميع  يعلم أن اختصاصات المجالس البلدية والقروية تتلخص  في المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للقرية أو المدينة المعنية، ويعمل مجلس البلدية على التخطيط والتنظيم العمراني للمدينة، وعلى بناء الطرق وتجهيزات البنيات التحتية والمرافق العامة وتوفير الماء والكهرباء وهي الأمور القليلة الحضور ضمن مهام مجلسنا.

وطبعا كذلك، فالجميع سمع ما قاله جلالة الملك عن عجز الأحزاب السياسية المغربية عن القيام بدورها كما ينبغي، آخذاً عليها تقاعسها في إغناء برامجها وعدم تجديد نخبها، وهي المعول عليها أن تلعب دور الوساطة والنيابة عن المجتمع، قائلاً بالحرف: “يتعين عليها استقطاب نخب جديدة، وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي”.

فماذا بوسعي أن أقول للأستاذين القديرين “الهامل” و”زكاغ” اللذين مثلا في رأيي حكماء الجلسة، هل ما وقع تحت أنظاركما يمثل قطيعة مع  ثقافة سياسية ارتدادية توقفت عند محطة تاريخية توافقية مضت، ولا فائدة اليوم من استلهام تسوياتها الشفوية غير التعاقد والالتزام بالقوانين الداخلية للأحزاب؟؟؟.

نحن اليوم أستاذي الكريمين أمام جيل يعكس فترة أخرى/حديثة، الكل فيها فاعل، صحافة وقوى المجتمع المدني ومؤسسات تشريعية… الكل يحاول أن يعطي تأويلاً ديمقراطياً لتنزيل مقتضيات دستور وسّع صلاحيات تنفيذية جديدة لم يكن متوقعاً تشكلها نصياً حتى في عهد تكتل الأحزاب الوطنية التي كانت تنادي مراراً بالمشاركة، واقتسام مسؤولية الحكم ديمقراطياً مع المؤسسة الملكية، دون جدوى.

فإما تكون للحزب ضوابط متعاقد عليها أو يصبح الأمر كلاما سياسيا مصبوغا بحمولة التراضي والتوافق واستجداء «تبادل الثقة»، وتلك في رأيي صيغة قديمة في فهم اللعبة السياسة، الرهان فيها  يبقى دائماً معلقاً على التفاوض وثقافة التسوية الارتجالية!… صيغة وضعتها ونحتت قواعدها أحزاب الحركة الوطنية ولم تعد تجديها نفعا.

أذكركما أننا وقفنا أكثر من مرة على هرولة كراكيز السياسية (ها وقد ظهروا لكم اليوم في حزبكم) في عملية جماعية لصيد مرشحين مفترضين يتم حشرهم  في حملة هوجاء لإعانة الاحزاب على تغطية كثرة الدوائر الانتخابية، وذلك ما يبين كل مرة أن الخدعة الانتخابية السيزيفية تتحول رويداً رويدا إلى أفظع مما كان عليه الحال، حين كان ممثلو السلطة المركزية من ولاة وعمال يتحكمون بقوة ومباشرة في تسيير جل شؤون الجماعات المحلية، تحت إشراف عمودي وبإيعاز من الداخلية، وبحكامة واضحة في الهيمنة.

ففي جعجعة تلك المعمعة الانتخابية حذرناكم من عمليات نفخ خرفان سياسية مهجنة وإنزالها في آخر ساعة بالمظلات لتتسلم مفاتيح قيادة إدارة مدن الحواضر والجهات، لا تتوفر بالقطع على مقومات المعادلة التطبيقية المطلوبة المستخلصة من برنامج فعلي له صلة بخدمات القرب، أو برؤية واضحة لما ستكون عليه طريقة تدبير حياة جيدة لكل فرد يعتزم  الإقامة في المدينة الفلانية التابعة للجهة المعنية.

 إن المعيشة في الجهة الشرقية عامة ومدينة وجدة على الخصوص مكلفة، مقارنة بمتوسط دخل فئات الطبقة الوسطى، وتظهر التقارير الجادة استمرار الزيادة في التكاليف بشكل تصاعدي، وهذا انطباع يشعر به كل من واكب وتابع حالات الأوضاع على مدد طويلة، وطبعاً هذا فتح المجال لإمكانية الامتداد الأخطبوطي للقطاع الاقتصادي غير المهيكل الذي صار متنفساً ونشاطاً اجتماعياً لكثير من الفئات الهشة، وتحت أنف الدولة، ورغماً عنها.

والحصيلة تنظيم بعض القطاعات الاقتصادية المسيرة في شكل كارتلات، مؤسسات كبيرة، مما اثر سلبا على المقاولات صغرى ، وقتل كل المبادرات الاستثمارية في المهد، وزاد من تكثيف حجم الاحتكار الأحادي وهيمنته، وطبعاً كل هذا ضرب قلب اقتصاد جهة الشرق. والمزعج أكثر أنه ألقى  بنخب مالية جهوية متحدة المصالح في مسبح سياسة الجهة، واختبار تحدي العوم في غمارها، مع كل المجازفات المنتظرة للوصول انتخابياً إلى دفة الحكم، وتسيير شؤون البلد بتدبير تقني محاسباتي، وبعقلية المال.

بماذا نفسر أستاذ الهامل حديثكم الذي أكدتم فيه أثناء الدورة  :” لا تنسيق مع حزب الأصالة والمعاصرة الذي يتموقف من حزب العدالة والتنمية وترفض قيادته بشكل صريح التحالف مع المصباح”. وما جاء على لسان زميلكم في العمل والسياسة الأستاذ زكاغ  الذي قال :” لا يمكن اليوم أن يدخل حزبنا في صراع يعيشه طرف سياسي في إشارة إلى فريق حزب الأصالة والمعاصرة لتغليب كفة طرف على طرف أخر، وأكد أيضا على ضرورة احترام قرار الأمانة العامة للحزب”

وبين ما جاء على لسان رئيس فريق حزب المصباح بمجلس المدينة، ومرشح حزبكم للانتخابات البرلمانية الأخيرة، الذي رد عليكم وعلى الملأ ” أن حزبكم غير معني بمخرجات هذه الدورة، وأن الفريق على العكس معني بهذه الدورة وقرار التنسيق، وليس التحالف مع أعضاء في حزب الأصالة والمعاصرة لعقد هذه الدورة بنقاطها المقترحة، تم في إطار المؤسسات” (السي بيبودة يتحدث عن التكتيك والإستراتيجية)؟؟؟؟

وإذا ما حاولنا الاستلهام من أدبيات العلوم السياسية التي تخبرنا أن الأحزاب الفاشلة كظاهرة قديمة الوجود، هي صفة تلازم الأحزاب التي تعجز عن القيام بوظائفها بشكل مؤسساتي أي “تلك الأحزاب التي لا تستطيع أن تلعب دوراً ككيان مستقل”…  

لأختم بإعطاء انطباع شخصي قد لا يكون مبنيا على دراسة علمية دقيقة، معتبرا أن ما حصل اليوم ينم عن فشل الأحزاب المكونة لمجلس المدينة داخليا اساسا، مما أردى مجلس مدينتنا مجلسا فاشلا بكل المقاييس

تحياتي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. نشكركم جزيل الشكر على هذه المقالة الرائعة التي قربتنا مما يجري ويدور داخل مجلس وجدة الذي خرج من الخيمة مائلا منذ ان اقسم المعني بالامر بحرمة أولاده ان هو كان رئيسا على هذا المجلس . الحلف باغلض الايمان امام جميع الناس انه لقسم لو تعلمون عظيما . و النتيجة باين عاين للخاص والعام .
    – صوتك ايها المواطن امانة ستسال عنها ان انت اعطيتها لمن لا يستحقها . اخرا يمكنني القول ان هذا المجلس هو مجلس اغتنام الفرص او مجلس الغنيمة ننتظر بفارغ الصبر الانتخابات المقبلة لنضع كل شخص في حجمه الحقيقي . انها امانة وما اثقلها من امانة . اما عن ترقية الموظف فحدث ولا حرج و ريحتها ازكمت الانوف الله ياخد الحق . اما عن اضراربات الموظفين فامجلس غير قادر على تفعل الاجر مقابل العمل مما تسبب في ضياع المرتفقين وعدم القدرة على تفعيل الاجر مقابل العمل من طرف مجلس ميت …

  2. مقال متكامل وتحليل شامل يلخص الوضعية الحقيقية الوضعية المزرية التي تعيشها جماعة وجدة
    شكرا اخي الجابري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى