فضيحة بجَلاَجِل : بوسعيد والنائب العاشر و العقارات التي تبيض الملايير

بالقاسم امنزو (دكتور في التواصل السياسي)

يتساءل المنتخبون والصحافيون والمتتبعون، بحسن نية أو بدونها، لماذا يقوم محمد بوسعيد – وزير الاقتصاد والمالية السابق الذي أقاله الملك غَداة عيد العرش 2018, والذي يسهر الآن على “الحمامة” في الدار البيضاء – بكل هذه المناورات من أجل فرض محمد شفيق ابن كيران نائبا عاشرا لعمدة مدينة الدار البيضاء؟ 

المناورة تدور وتهدف إلى الحصول على تفويض قطاع التعمير بالدار البيضاء. لماذا؟ 

يعلم الجميع في المغرب وخارج المغرب أن محمد بوسعيد عندما كان واليا على الدار البيضاء ثم وزيرا للمالية، قام بتسهيل ودعم  عملية تفويت أراض تابعة للأملاك المخزنية في منطقة الوازيس بالدار البيضاء إلى شركة في اسم زوجة ابن كيران، سنة 2014.

قامت الشركة المعلومة التي تأسست ليلة عملية التفويت بوضع دفتر تحملات على أساس بناء ملاعب القرب، ليتبين بعد ذلك  بالملموس في الواقع أن مسألة تهييء ملاعب القرب لم تكن سوى “غطاء” لتشييد مقاه ومطاعم، وفندق، وأضخم وأغلى قاعة حفلات في المغرب. 

هذه المنشآت التي تدرّ الملايين على شركة الزوجة ومن معها لا توجد في دفتر التحملات الذي على أساسه تمت عملية الكراء بثمن بخس. 

الخطير في العملية كان منذ الانطلاقة، والبداية؛ حيث تم منح رخصة الاستثناء (dérogation) للمشروع بطريقة مخالفة بشكل صريح للقانون؛ لأن تصميم التهيئة يوضح بما لا يدع مجالا للشك أن الأرض المعلومة (القطعة ذات الرسم العقاري 12468/ س) توجد فوقها تجهيزات عمومية، يمنع القانون (خاصة وثائق التعمير)  إتلافها لتقوم مقامها تجهيزات الخواص.

 والأدهى والأنكى مما ذكر أن وثائق التعمير الخاصة بتلك العقار لا ترخص بتاتا لإقامة مشروع خاص من هذا النوع، حتى بدون وجود تجهيزات عمومية فوق تلك الأرض. 

انطلق المشروع إذن بمخالفة صريحة للقوانين الجاري بها العمل لتنضاف إليه “قفة” من الخروقات الأخرى؛ ذلك أن دفتر التحملات الذي تم وضعه عند السلطات المختصة لم يتم احترامه ، حيث تم تشييد منشآت ومكاتب تم كراؤها لشركات عقارية، وبناء مقاه ومطاعم، وأضخم وأغلى قاعة الحفلات، فيما كانت مسألة ملاعب القرب سوى غطاء لكل هذه المناورة العقارية الخطيرة. 

هذه الخروقات دفعت العمدة السابق عبد العزيز العماري إلى رفض التوقيع الخاص بتسليم المشروع  (réception du projet)، وهو نفس الرفض الذي نهجه المسؤول على قطاع التعمير في الولاية السابقة عبد الصمد حيكر، رغم تدخلات المعني بالأمر لدى ابن عمه عبد الاله بن كيران ، رئيس الحكومة السابق والأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية. 

في الولاية الحالية رفضت العمدة نبيلة الرميلي  أيضا رفضا قاطعا – رغم الضغوطات والمناورات – التوقيع على هذه القنبلة، وبقي المشروع معلقا، (ما هي مزوجة، ما هي مطلقة). 

إذن حسب القوانين والتشريعات الجاري بها العمل لا يمكن للمشروع أن ينطلق (exploitation) حتى تتم عملية التسليم التي على أساسها يتم منح المعني بالأمر رخصة السكن (permis d’habiter ), وهي الوثيقة التي يجب توفرها كشرط أساسي لربط التجهيزات بشبكة الماء والإنارة. 

التساؤل المطروح الآن هو كيف تم ربط هذه التجهيزات بشبكات الماء والإنارة دون توفر هذه الوثيقة الأساسية والضرورية، وانطلق الاستغلال الذي يدِرّ الملايين في خزائن الشركاء؟

 فعلا l’affaire  تدر الملايين، حيث يصل كراء قاعة الحفلات إلى أكثر من عشرة ملايين سنتيم لليلة الواحدة،  كما يتم إهداء هذه القاعة – التي لا تتوفر على أية وثيقة – لبعض “المسؤولين” لاستمالتهم من أجل الدفاع عن “المشروع” .

ولكي لا تبقى (l’affaire) بدون وثائق التعمير  “اجتهد” بوسعيد الذي لم يعد لديه أي طموح سياسي منذ إقالته في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة من طرف الملك والتفرغ للعقار، (زعما مكايناش محاسبة في العقار السياسي والسياسة العقارية)، ودفع بالمعني بالأمر ليتولى بنفسه مهمة النائب العاشر، والحصول على قطاع التعمير للتوقيع بنفسه وبيده على ملف الزوجة، مع إعطائه “ضمانة” لكي لا تتم إقالته وعزله بسبب تضارب المصالح واستغلال النفوذ . 

يقع كل هذا مع العلم أن ملف هذه الشركة والشراكة يوجد منذ مدة قيد التحقيق من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، بتعليمات من النيابة العامة المختصة، بسبب تضارب المصالح واستغلال النفوذ، وعدة تهم أخرى ثقيلة.

يجب الإشارة في الأخير إلى أن هذا المسلسل المرعب انطلق أسابيع قليلة بعد خطاب الملك في افتتاح البرلمان في أكتوبر 2013 ، حيث  خصص جلالته مساحة كبيرة من خطابه لانتقاد تدبير الشأن العام المحلي بالدار البيضاء. “فإذا كانت كثير من الجماعات الترابية، تتمتع بنوع من التسيير المعقول، فإن هناك مع الأسف، بعض الجماعات تعاني اختلالات في التدبير من قبل هيآتها المنتخبة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى