طالبة على عتبة البرد… حين تتحول “السلطة” إلى قرار بالطرد من الإنسانية

فتاح بلعربي

ليست هذه حكاية عابرة، ولا مجرد سوء تفاهم إداري. إنها قصة طالبة جامعية، شابة تحمل كتبها وأحلامها، وجدت نفسها في لحظة قاسية خارج كل الحسابات: خارج الغرفة، خارج الدفء، وخارج منطق الدولة.
طالبة بسلك الإجازة، سبق للدولة نفسها أن اعترفت بهشاشة وضعها، ومنحتها السكن الجامعي خلال سنتها الأولى بقرار رسمي من المكتب الوطني للأعمال الجامعية الاجتماعية والثقافية. سكنت الغرفة، درست، اجتهدت، وتهيأت للسنة الموالية على أساس بسيط: أن الحق الذي منح بالأمس لا يسحب اليوم دون سبب، ولا يلغى بنزوة.
لكن المفاجأة كانت صادمة.
إدارة الحي الجامعي رفضت تجديد سكنها، لا لخرق، ولا لسلوك، ولا لغياب شرط قانوني… بل لأنها اشترطت شرطا غريبا مقلوبا: أن لا تؤدي الطالبة رسوم التسجيل. شرط لا يفهمه عقل، ولا يبرره قانون، ولا يستقيم مع منطق المرفق العمومي.
وحين سألت الطالبة: لماذا؟
جاءها جواب مدير الحي أقسى من القرار نفسه:

“أنا عندي السلطة على كل شيء”.

هكذا، بكلمات قليلة، اختزلت الدولة، والقانون، والمؤسسات، والقرارات الوطنية، في “سلطة” فردية، ترى نفسها أسمى من النص، وأقوى من القرار، وأعلى من الدولة.
والنتيجة؟
طالبة تبيت ليلتين كاملتين في العراء، أمام باب الأدارة وسط ساحة الحي الجامعي.
في برد الشتاء، وتحت المطر، وعلى بعد أيام من امتحانات الدورة الخريفية.
لا غرفة، لا سرير، لا غطاء… فقط باب مغلق، وصمت إداري، وكرامة تختبر في أقسى صورها.
أي رسالة نبعثها للطلبة؟
أي صورة نرسمها عن الجامعة العمومية؟
وأي معنى بقي للسكن الجامعي إن لم يكن ملجأً للضعفاء قبل غيرهم؟
هذه القصة ليست عن طالبة واحدة وما خفي اعظم.
إنها عن الخوف الذي يمكن أن ينام في أي جسد طلابي،
عن هشاشة الحقوق حين تترك بلا حراسة،
وعن سؤال كبير يطرحه هذا المشهد المؤلم:
من يحمي الطلبة حين تتحول “السلطة” إلى برد،
والإدارة إلى باب مغلق،
والقانون إلى عبارة تقال ولا تحترم؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!