صلاح الوديع: مسيرة نضال وشعر في خدمة الوطن والكرامة

الرباط – 26 ماي 2025
في رحلة حياة مليئة بالتحديات والصمود، يبرز الأستاذ صلاح الوديع، الشاعر والحقوقي المغربي، كنموذج للالتزام الوطني والإنساني. من خلال تجربته الشخصية والنضالية، التي رواها في بودكاست “الحياة قرار” مع فاتحة أبو أمين، يرسم الوديع لوحة حياة تجمع بين الشعر، النضال السياسي، ودفاعه عن حقوق الإنسان، مع التأكيد على قيم التسامح والمصالحة من أجل بناء وطن ديمقراطي.
طفولة في بيت النضال
وُلد صلاح الوديع في زمن الاستعمار، حين كانت قضية المغرب تُناقش في المحافل الدولية. اختار له عبد الرحيم بوعبيد، المناضل الوطني البارز، اسم “صلاح الدين”، عربون صداقة مع والده، ليصبح هذا الاسم رمزًا للمسؤولية التي تحملها الوديع منذ صغره. نشأ في أسرة تجمع بين جذور آسفي وفاس، حيث كانت والدته، لالة غيثة بوهلال، رمزًا للقوة والاستقلالية. تعلمت وأصرت على تعليم أبنائها وبناتها، في وقت كان فيه التعليم تحديًا كبيرًا. أما والده، الأستاذ والشاعر، فقد غرس فيه قيم التشبث بالوطن واللغة العربية، مع إيمان راسخ بأن لا مشكلة بلا حل.
تأثر الوديع بمواقف والديه، خاصة شجاعة والدته التي واجهت السلطات بحزم عند اعتقال والده عام 1973، مما علمه درسًا عميقًا في الشجاعة والكرامة. كان الوديع، وهو الابن الأكبر، الساعد الأيمن لوالدته خلال تلك الفترة، حاملًا شعورًا مبكرًا بالمسؤولية. هذه التربية شكلت أساس التزامه السياسي لاحقًا، حيث انخرط في الحركة اليسارية الجديدة، متأثرًا بنماذج والديه وأحداث مارس 1965 التي شارك فيها وهو في الثالثة عشرة من عمره.
تجربة السجن: اختبار الصمود والكرامة
في عام 1974، اعتقل الوديع، البالغ من العمر 22 عامًا، في سياق حملة واسعة ضد اليسار الجديد، وحُكم عليه عام 1977 بالسجن 22 عامًا. عاش تجربة قاسية في مركز درب مولاي الشريف السري، حيث تعرض للتعذيب الجسدي والنفسي الذي وصفه بأنه محاولة لتحطيم الكرامة وروح الإنسان. يصف الجلاد بأنه “أحط وأخس إنسان”، لقدرته على إذلال الضحية بلا رحمة أو رقابة. لكنه، بدعم من إيمانه بعدالة قضيته، تحمل هذه التجربة، مستلهمًا قوة والدته ووصية والده بالحفاظ على التماسك المعنوي.
لم يستسلم الوديع وزملاؤه في السجن للفراغ، بل حولوا زنازينهم إلى فضاءات مقاومة. أضربوا عن الطعام لمدة 45 يومًا عام 1977-1978، مطالبين بحقوقهم كمعتقلين سياسيين، مثل الدراسة والمطالعة. تمكن الوديع من استكمال دراسته في الفلسفة بالمراسلة، وحصل على شهادة دراسات معمقة في الحقوق، مدعومًا بعائلته وأصدقائه. وعند الإفراج عنه عام 1984، رفض التوقيع على وثيقة تتعهد بعدم العودة إلى نشاطه السياسي، معتبرًا ذلك مساسًا بكرامته، في قرار شجاع عكس تمسكه بالمبادئ.
الكتابة: ملاذ الروح وأمانة التاريخ
لعبت الكتابة دورًا محوريًا في حياة الوديع، حيث كانت وسيلته لمواجهة الألم وتخليده. ديوانه الأول “جراح الصدر العالي”، الذي كتبه في السجن وصدر عام 1985، عكس صموده الروحي. أما كتابه “العريس” (1998)، الذي يروي تجربة التعذيب في درب مولاي الشريف، فقد كتبه بتوتر كبير، حيث بكى وهو يكتب عن موت البطل مصطفى، كأنه يتحكم في مصيره. يرى الوديع أن الكتابة الصادقة، النابعة من الوجدان، هي أفضل وسيلة للتعبير عن تجربة الموت والنجاة، وأمانة يجب تسليمها للأجيال.
العدالة الانتقالية: من أجل الوطن
انخراط الوديع في هيئة الإنصاف والمصالحة (IER) عام 2005 كان نقطة تحول في مسيرته. شارك في تأسيس منتدى الحقيقة والإنصاف عام 1999، وساهم في مسار العدالة الانتقالية التي وصفها بأنها ضرورة لتجاوز سياسات القمع الماضية. زيارته لدرب مولاي الشريف وتزمارت، حيث كان مرشدًا لهيئة الإنصاف، كانت لحظة مصالحة شخصية وجماعية، ساعدته على التخلص من عبء الذاكرة. يؤكد أن المصالحة ليست مجرد تعويض، بل بناء دولة الحق والقانون، مع شرط عدم تكرار الانتهاكات.
يرى الوديع أن التسامح قرار واعٍ، اتخذه من أجل الوطن، وليس مجرد مسألة شخصية. “إنني لم أنس لكنني سامحت”، يقول، مشددًا على أن التسامح يتطلب ضمان عدم عودة الانتهاكات الجسيمة. هذا الموقف يعكس رؤيته للانتماء الوطني كقيمة إيجابية، غير إقصائية، تحترم الآخر وتتفاعل معه بندية.
وصية للأجيال: الحب والمبادئ
في وصيته للأجيال الصاعدة، يدعو الوديع الشباب إلى التمسك بالمبادئ مهما كان الثمن، والافتخار بالوطن دون عداء للآخرين. يحثهم على حب الحياة بكل تجلياتها، من الأدب إلى السينما، وعيش الحب والحنان كقيم أساسية. كما يؤكد أن التربية مسؤولية الأبوين، وأن قرار الإنجاب يجب أن يكون واعيًا، مع احترام خيارات الأبناء. علاقته بأبنائه، نجوى ووليد، وحفيدته ليلى، التي أهدى لها كتابه “ميموزا”، تعكس هذا التوازن بين المسؤولية والحنان.
خلاصة: حياة قرار
مسيرة صلاح الوديع هي قصة إنسان اختار النضال من أجل الوطن، تحمل السجن والتعذيب، ووجد في الشعر ملاذًا للروح، وفي العدالة الانتقالية سبيلاً لبناء مستقبل ديمقراطي. من خلال تجربته، يبرز كصوت يدافع عن الكرامة والحرية، مع التأكيد على أهمية التسامح والمصالحة من أجل وطن يحتضن الجميع. وصيته للأجيال الصاعدة تحمل رسالة أمل: “عيشوا الحياة بحب، وتمسكوا بمبادئكم، فالوطن هو الأساس، والحياة قرار.”