صباح وجدة: مدح النبي وإحياء الشعر

في صباح مشرق بمدينة وجدة، عاصمة الشرق المغربي، تجمّع الأدباء والشعراء والمحبون للسيرة النبوية في احتفالية شعرية عطرة، امتزجت فيها نسمات الفخر بمدح الرسول صلى الله عليه وسلم مع عبق الشعر المغربي الأصيل. هذا الصباح، الذي وصفه أحد المتحدثين بـ”المليء بالشرف”، لم يكن مجرد مناسبة عابرة، بل كان لحظة استثنائية تجسّدت فيها القيم النبيلة والإبداع الأدبي، لترسم لوحة وجدة كمدينة تحتضن التراث والتجديد في آن واحد.

في قلب هذا الاحتفال، كان مدح الرسول صلى الله عليه وسلم الجوهر الذي أضفى على الصباح بهاءً خاصًا. لم يكن المدح مجرد كلمات تُنظم في قصيدة، بل كان تعبيرًا عميقًا عن الحب والإجلال لنبي الرحمة، واستلهامًا من سيرته العطرة التي تُعدّ منهجًا لإصلاح النفوس والمجتمعات. قصيدةٌ نُظمت في مدح مناقبه الشريفة، تحمل في طياتها دعوة لاستعادة القيم الرفيعة واستنهاض الهمم، في زمن تتسارع فيه وتيرة الانحدار الأخلاقي. هذا المدح، كما وصفه الشاعر المتحدث، ليس فقط شرفًا لمن ينظمه، بل هو دعوة للارتقاء بالمجتمع نحو الرفعة والشرف، مستلهمًا من سيرة النبي الكريم التي تُضيء دروب الحياة.

يبرز هنا دور السيرة النبوية كمصدر لا ينضب للإلهام. فهي ليست مجرد سرد تاريخي، بل دستور حياة يحمل في طياته الحلول لتحديات العصر. من خلال استلهام قيم الصدق والعدل والرحمة التي جسّدها النبي صلى الله عليه وسلم، يمكن للمجتمع أن يعيد بناء نفسه، متجاوزًا أزمات القيم التي تهدّد نسيجه. هكذا، كان مدح النبي في صباح وجدة دعوة صامتة لإحياء هذه القيم، ورسالة مفادها أن النبي هو “المضيف الكريم” الذي يدعونا جميعًا للاقتداء به.

لم تكن وجدة مجرد خلفية لهذا الحدث، بل كانت بطلة الصباح بكل ما تحمله من تاريخ وثقافة وشعر. المتحدث، الذي عاد إلى المدينة بعد غياب ثلاثين عامًا، عبّر عن فرحته العارمة بلقائها، واصفًا هذه العودة بـ”الشرف” الذي يضاهي شرف مدح النبي. وجدة، بجامعتها العريقة محمد الأول، ومجلسها العلمي، وجمعياتها الثقافية مثل “النبراس”، شكّلت فضاءً مثاليًا لاحتضان هذا الاحتفال، حيث التقى الأساتذة الأجلاء والشعراء المبدعون في مشهد يعكس غنى المنطقة الشرقية وحيويتها الثقافية.

تُعدّ وجدة، بموقعها الاستراتيجي وتراثها العريق، مركزًا شعريًا متميزًا في المغرب. فالجهة الشرقية، كما أشار المتحدث، تحظى بأولوية في المشهد الشعري، حيث يبرز شعراء أفذاذ يحملون لواء الإبداع على مستوى العالم الإسلامي. هذه المدينة، التي تجمع بين الأصالة والتجديد، كانت الخيار الأمثل لاحتضان فعالية تجمع بين مدح النبي وإحياء الشعر، في تناغم يعكس روح المغرب الثقافية.

إذا كان مدح النبي هو الروح التي أحيت هذا الصباح، فإن الشعر المغربي كان الجسد الذي تجسّدت فيه هذه الروح. يعيش الشعر المغربي، كما وصفه المتحدث، أوج عطائه، حيث يزخر بألوان متعددة من الإبداع، من القصيدة العمودية إلى الشعر الحر، وصولاً إلى القصيدة النثرية التي تأتي بقوة لتؤكد حيوية المشهد الشعري. هذا التنوع ليس مجرد اختلاف في الأشكال، بل هو انعكاس لقدرة الشعر المغربي على التجديد من الداخل، مع الحفاظ على الجذور العميقة التي تربطه بالتراث العربي الإسلامي.

القصيدة العمودية، رغم حفاظها على شكلها التقليدي، تشهد تحديثًا في مضامينها وصورها الشعرية، مما يجعلها قادرة على مخاطبة الإنسان المعاصر. أما الشعر الحر، فيواصل رحلته نحو الابتكار، متجاوزًا الحدود التقليدية للوزن والقافية. وفي هذا السياق، تبرز القصيدة النثرية كصوت جديد يعبر عن الحساسيات المعاصرة، مُثريًا المشهد الشعري بتنوعه وجرأته. هذا الإبداع المتجدد، الذي ينبض في وجدة وفي عموم المغرب، يؤكد أن الشعر ليس مجرد فن، بل هو مرآة لروح الأمة وتطلعاتها.

في صباح وجدة، التقى مدح النبي بإحياء الشعر في لحظة ساحرة، حيث تجسّدت قيم السيرة النبوية في كلمات الشعراء، ونبضت روح الإبداع في أحضان مدينة تحتفي بتاريخها وتتطلع إلى المستقبل. هذا الاحتفال لم يكن مجرد فعالية ثقافية، بل كان دعوة لاستلهام النبي الكريم كقدوة، والشعر كأداة لإصلاح المجتمع وإحياء القيم. وجدة، بصباحها الشعري العطر، تؤكد أنها ليست فقط مدينة الشرق، بل هي قلب نابض بالثقافة والإبداع، يدعو الجميع للانضمام إلى دعوة النبي الكريم، والاحتفاء بجمال الشعر المغربي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!