زلزال المغرب بين التيئيس والتسييس

إبراهيم إغلان

توطئة لا بد منها:

لا أحد يجادل في طبيعة هذا الزلزال العنيف الذي أصاب أهالينا في الجنوب وتداعياته الراهنة والمستقبلية، ولا أحد منا من لم يتأثر بالمشاهد القادمة من قرى ودواوير متفرقة بين الجبال الوعرة، ولا أحد منا ومن العالم من لم تدمع عيونه لحظة مشاهدة حكايات حية من هول هذه الكارثة الطبيعية، ثم لا أحد ينكر هذا الزخم المتواصل للتضامن المغربي والذي عبرت عنه مختلف فئات المجتمع، ولا أحد أيضا منا يتجاهل مواقف وتضامن العالم إزاء ما أصاب بلدنا العظيم…

إنها لحظات مؤثرة، صادمة وحزينة، بقدر ما تضعنا اليوم في مركز اهتمام العالم، بقدر ما تمنحنا قوة روحية وواقعية لتجسيد الانتماء الى هذا الوطن، بالرغم من اختلافنا ووعينا في تدبير أمورنا.  لقد وقعت الواقعة، ولازلنا نحصي أمواتنا وخسائرنا، لكن التفاعل مع ما حدث يثلج الصدر، منذ الاجتماع الطارئ الذي عقده قائد البلاد والقرارات الملكية التي بوشر في تفعيلها، مرورا بالتجاوب الشعبي الذي رفع شعار: أننا أمة قادرة على مواجهة كل التحديات، وأننا لم نعد رهينة للانتظارية والتيئيس، بل أبان المغاربة على أن هذه اللحظة من الزمن المغربي ليست لحظة استثنائية، إنها جزء من تاريخ عريق وسلوك متجذر ورغبة مستمرة في صيانة الهوية وتثمينها. 

إن مواجهة مثل هذه الكوارث تتطلب رؤية واقعية وهندسة دقيقة للإنقاذ أولا؛ وللبناء ثانيا. ولعل هذا ما جعل الدولة، بتجاربها ومهامها، وبمؤسساتها المختلفة، تشرع في اتخاذ تدابير قانونية وعملية، بخطى ثابتة و بمراحل مدروسة وبعيدة عن الارتجالية. المؤسسة العسكرية في مقدمة المواجهة، إنها حرب بصيغة أخرى: صعوبة المجال الجبلي و وعورة الوصول إلى القرى المتضررة و هشاشة البناء ..الخ، ثم المؤسسة الأمنية والدرك الملكي وعليهما مسؤولية حفظ الأمن والتنظيم، وكذا رجال الوقاية المدنية، رجال المواقف الصعبة. 

أما المجتمع المدني، فحدث ولا حرج، هبة شعبية عامة يضرب بها المثل اليوم عبر العالم بأسره، دون نسيان الدعم المادي والمعنوي لجالياتنا في الخارج، وكذلك المساعدات الإنسانية الدولية من اشقاء وأصدقاء، إنها مواقف صادقة ونبيلة ستظل في الذاكرة والقلب.

تيئيس الحدث:

بعد هذا المشهد التراجيدي المتواصل لواقع مغربنا، تأتي أصوات من داخل الوطن وخارجه،  لتكريس خطاب اليأس واستحالة مواجهة البلاد لمثل هذه التحديات التي تفوق قدراته ومحدودية إمكانياته البشرية واللوجستية، بل ذهب البعض إلى التشكيك في نية الدولة نفسها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من البشر والحجر. أتفهم ردود فعل الساكنة المتضررة، وهذا أمر مقبول في حدود هول الكارثة وتجلياتها في المجال والإنسان، لكن ان يستثمرها البعض، شعبيا و دينيا وإعلاميا، في تمرير خطاب الردة والاستهتار بالوعي الجمعي وبصورة المغرب خارجيا، فهذا يندرج في إطار سياسة لا عقلانية تروم الشك والارتياب في بناء الدولة ووعي المجتمع. الأمثلة كثيرة في هذا الإطار، لست مؤهلا للحد من خطورتها، فالدولة لها من الوسائل والآليات ما يكفي لمواجهة مثل هذه الخطابات ….

تسييس الحدث:

كل من تابع الاعلام الفرنسي تحديدا، وهو يقارب الحدث الكارثي الذي شهده المغرب، سيلاحظ هذا الهجوم الممنهج وهذه الردود الفعل، أقل ما يقال عنها أنها  متهورة وحاقدة، حيث شملت مختلف وسائل الاعلام من صحافة ورقية ورقمية وإذاعات وقنوات. لماذا فرنسا مغيبة من المشاركة في المساعدة والدعم؟ لماذا اسبانيا وانجلترا والامارات وقطر هي من طلب المغرب حضورها؟ وهل للعلاقات الباردة بين المغرب وفرنسا دور في ذلك؟ وهل ولماذا وكيف، ومثل هذه الأسئلة التي يتقنها الاعلام الفرنسي المجيش ضد بلد مستقل، له موقعه وموضعه الإقليمي والعالمي، وهو من يعرف امكانياته و احتياجاته، وهو البلد الذي لم يعد محمية كما السابق.

ما الذي تريده فرنسا من المغرب؟ سؤال عام، لكنه يختزل ما يختزل من سياسة، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، فاللجوء إلى مثل هذه المواقف الإعلامية المكثفة ضد المغرب يؤكد مرة ومرات اللعب بالنار والتدخل الفاضح في شؤون بلاد صديقة والزج بمواطنيها في حدث مأساوي بحجم هذه الكارثة بدعوة أن الدولة المغربية غير مؤهلة لحماية شعبها الفقير وأن فرنسا وحدها المنقذة من الضلال. إنه الخطاب المباشر اليوم الذي تتبناه الجهات الرسمية في فرنسا، مع التذكير بالمواقف المضادة لها من قبل بعض النخب السياسية والثقافية والمدنية والتي عبرت عن مساندتها للمغرب في هذه اللحظة الحرجة من تاريخه، مؤكدة على استقلالية المغرب في اتخاذ ما يناسبه من قرارات حكيمة ورصينة.

الجزائر هي الأخرى دخلت على الخط كما يقال، وكعادة حليمة فإن حكام الجارة الشرقية استغلوا هم أيضا هذا الحدث سياسيا، وبات خطابهم الإعلامي متذبذبا، ووراءه ما وراءه.. إنها لعبة مكشوفة، فيها من الخبت السياسي أكثر ما هو دهاء دبلوماسي وإنساني. لن أطيل في هذا الباب، فالتجربة مع الجزائر لا يعوزها كثير من الذكاء والفطنة لمعرفة الخلفيات والأسباب والمسببات وراء الخطاب الرسمي والإعلامي، أن تغلق حدودك البرية والجوية فذاك شانك، وان تفتحها متى تريد فهذا يخصك لوحدك، لكن العلاقات بين الدول تتم في شروط وبشروط رسمية ودبلوماسية. 

على سبيل الختم:

أبان المغرب، بحكمته ووعي شعبه وقدراته البشرية ومؤسساته، عن روح وطنية عالية وثقافة تضامنية نادرة، لن تزيده إلا إصرارا على مواجهة التحديات، مهما كانت طبيعتها وتداعياتها. قرية جدي وأبي، رحمة الله عليهما، بجماعة سيدي عبد الله أوسعيد بإقليم تارودانت، هي أيضا كما هو الشأن بالنسبة لباقي القرى المتضررة من  وطننا العزيز ، أصابها ما أصابها بفعل هذه الكارثة الطبيعية، نحتاج صبرا ورشدا لمعرفة الأضرار وتخطيطا محكما للحلول الممكنة لتجاوز الصدمة، هي كارثة بجميع المقاييس، لقد افتقدنا الالاف من مواطنينا، لهن ولهم الرحمة، والدعاء بالشفاء العاجل لجرحانا، والأمل بتجديد الصلة بالحياة هناك قريب. إنه الأمل الذي بدت معالمه تتضح بثقة مؤسساتنا وتآزر المواطنات والمواطنين وجهود الرجال المتواجدين في الميدان، وعلى أصحاب التيئيس والتسييس واستغلال اللحظة المأساوية التي نعيشها لتصفية حسابات أيديولوجية ونفعية أن يتركوننا نواجه قدرنا بكل ما أوتينا من محبة هذا الوطن العظيم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى