ريما حسن : فلسطين… صرخة الحرية في وجه الظلم

روبورتاج

في عرض البحر المتوسط، حيث كانت سفينة “مادلين” تتحدى الأمواج حاملةً شعلة الأمل إلى غزة المحاصرة، تصدت قوى الاحتلال الإسرائيلي لهذه الرحلة الإنسانية بقبضة حديدية. لم تكن هذه السفينة مجرد قارب يحمل مساعدات، بل كانت رمزًا للكفاح العالمي من أجل الحرية، وصرخة مدوية ضد الظلم الذي يخنق الشعب الفلسطيني. هذه ليست قصة رحلة عابرة، بل ملحمة بطولية تروي قصة مقاومة شعب، وإرادة نشطاء عالميين تحدوا الخوف ليصبحوا شهودًا على الحقيقة.

انطلقت “مادلين”، السفينة التي سُميت تكريمًا لصيادة غزة الوحيدة، حاملةً مساعدات غذائية وطبية متواضعة، ورسومات أطفال من كل أنحاء العالم تحمل رسائل حب وسلام: “من السماء يسقط المطر، لا القنابل”. كانت الوجهة غزة، القلب النابض للمقاومة الفلسطينية، حيث يعيش مليونان من البشر تحت حصار لا إنساني. الهدف؟ كسر هذا الحصار رمزيًا، إيصال المساعدات، وإحياء ذكرى أبطال غزة اليوميين مثل مادلين، التي سُلب حلمها بالصيد بسبب قيود الاحتلال.

لكن الرحلة تحولت إلى مواجهة دراماتيكية. في ظلام الليل، وفي المياه الدولية، هاجمت القوات الإسرائيلية السفينة، اختطفت النشطاء، وأجبرتهم على التوجه إلى ميناء أشدود. هذا العمل لم يكن مجرد اعتراض، بل كان إعلانًا صارخًا: الحصار على غزة لن يسمح حتى بمرور رسالة تضامن.

على متن السفينة، عاش النشطاء، بقيادة الناشطة الفرنسية الفلسطينية ريما حسن، تجربة كشفت النقاب عن وحشية الاحتلال. تم احتجازهم في ظروف مروعة: نوم على سطح السفينة تحت البرد القارس دون أغطية أو سترات نجاة، حرمان من الطعام والماء، وتهديد دائم بأسلحة الجنود. حتى المحامون الفلسطينيون الذين حاولوا الدفاع عنهم واجهوا الإهانة والمضايقة.

ريما، التي تحمل في قلبها ذكرى طرد عائلتها من أرضها عام 1948، وصفت هذه التجربة بأنها “نصيب صغير من الإذلال الاستعماري الذي يعيشه الفلسطينيون يوميًا”. “ما عشناه لا يقارن بمعاناة شعب غزة”، تقول وهي تردد دعوتها لتحرير 10 آلاف أسير سياسي فلسطيني. أول ما فعله الجنود عند اقتحام السفينة كان تمزيق العلم الفلسطيني ودوسه، في محاولة لمحو رمز الهوية والمقاومة. لكن هذا العمل أشعل في قلوب النشطاء إصرارًا أكبر على مواصلة النضال.

في محاولة لتجميل وجهها القبيح، نشرت السلطات الإسرائيلية مقاطع فيديو تُظهر جنودًا يوزعون السندويتشات على النشطاء. لكن ريما فضحت هذه الدعاية، واصفة إياها بـ”السخرية السادية”. “كنا ننام على السطح تحت البرد، بينما يصورون هذه المشاهد المزيفة”، تقول. هذه المحاولة لتضليل العالم لم تنطوِ على النشطاء، الذين دعوا إلى توجيه الكاميرات نحو غزة، “حيث تُكتب قصص المعاناة الحقيقية”.

لم تكن “مادلين” مجرد سفينة، بل كانت منصة لإطلاق صرخة عالمية. طالبت ريما حسن بإنهاء الحصار، ووقف “الإبادة الجماعية”، وتحرير الأسرى، وعودة اللاجئين إلى أرضهم ليزرعوا أشجار الزيتون. كما أشادت بدعم حزب “فرنسا الأبية” بقيادة جان لوك ميلينشون، الذي وصف رسالتها بأنها “إشارة للإنسانية جمعاء”. هذه الرسالة لم تقتصر على فلسطين، بل ألهمت العالم للوقوف ضد الظلم.

في مواجهة القمع، كان التضامن العالمي هو الوقود الذي أبقى شعلة الأمل مشتعلة. في باريس، تجمعت الحشود تردد هتافات “حرية الأسطول، حرية فلسطين”، بينما دعمت منظمات مثل “مراسلون بلا حدود” الصحفيين الفلسطينيين، الذين قُتل 200 منهم. ريما، التي تغذت روحها من هذا الحب، دعت إلى الوحدة: “الحب هو القوة التي تجمعنا، وهو ما سيغير كل شيء”. من باريس إلى غزة، كانت الرسالة واحدة: التضامن ليس مجرد كلمات، بل فعل مقاومة.

امتدت معركة النشطاء إلى الدفاع عن حرية الصحافة. صحفيون مثل يانيس وباسكال، اللذان لا يزالان محتجزين، واجهوا محاولات لإسكاتهم. ريما ورفاقها أدانوا منع التواصل مع وسائل الإعلام، مؤكدين أن الحقيقة هي أقوى سلاح ضد الدعاية. “تحيا حرية الصحافة”، كان هتافهم الذي ردد صداه في كل تجمع.

في قلب هذه الملحمة، تقف “مادلين”، الصيادة التي حُرمت من البحر، رمزًا لكل فلسطيني يقاوم الظلم يوميًا. كل قطعة من السفينة، كل رسم طفل، كل صرخة في التجمعات، كانت تكريمًا لهؤلاء الأبطال المجهولين. ريما ورفاقها حملوا هذه الذكرى، مؤكدين أن كل فعل رمزي يمكن أن يصبح “سحريًا وقويًا” عندما يتحد العالم خلفه.

من رحم هذه التجربة القاسية، خرج النشطاء أقوى عزيمة. لقد تحولوا من داعمين إلى شهود على الحقيقة، ومن نشطاء إلى رموز للمقاومة. رسالتهم واضحة: النضال من أجل فلسطين سيستمر، مهما كانت التضحيات، حتى تتحرر الأرض، وتعود أشجار الزيتون لتزهر في فلسطين الحرة. في كل هتاف، وكل خطوة، وكل دمعة، تتجدد العهد: من أجل غزة، من أجل فلسطين، من أجل الإنسانية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!