ذ. العربي البوبكري: مساءلة جرائم الكيان الصهيوني في غزة.. العدالة الدولية بين التحديات والنفاق

في إطار الندوة الوطنية بعنوان “الحرب على غزة: إبادة في وضع دولي بمعالم ملتبسة”، التي عُقدت يوم 14 يونيو 2025 بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة، قدّم الأستاذ العربي البوبكري، أستاذ القانون بجامعة محمد الأول وعضو اللجنة التنظيمية للندوة، مداخلة قانونية معمّقة بعنوان “مساءلة مسؤولي الكيان الصهيوني عن الجرائم في غزة بين المحكمة الجنائية الدولية والقوانين الوطنية”. تناولت المداخلة الجوانب القانونية والأخلاقية للعدوان الإسرائيلي على غزة، مبرزةً دور العدالة الدولية والوطنية في محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب والإبادة.

استهل البوبكري مداخلته بوصف العدوان على غزة بأنه “حرب إبادة” تتسبب في دمار هائل ومعاناة إنسانية غير مسبوقة. وأكد أن الندوة تهدف إلى مقاربة هذا الواقع المأساوي من منظور قانوني، مشددًا على ضرورة محاسبة المسؤولين عن الجرائم التي وصفها بـ”الفظائع”، والتي تشمل القتل المنهجي والتشريد وانتهاكات حقوق الإنسان.

استعرض البوبكري الخلفية التاريخية للعدالة الدولية، مشيرًا إلى أنها نشأت بعد الحرب العالمية الثانية لمحاكمة المتورطين في الجرائم الدولية، مع إنشاء محاكم مؤقتة مثل نورمبرج، ثم المحكمة الجنائية الدولية (ICC) كجهاز دائم عام 2002. وأوضح أن المحكمة تختص بأربع جرائم رئيسية: الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب، وجريمة العدوان. وبيّن أن الكيان الصهيوني متورط في الجرائم الثلاث الأولى في غزة، مستندًا إلى الأفعال المنهجية التي تستهدف المدنيين، مثل القتل والتهجير القسري والتجويع.

وأشار إلى أن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية يكمّل الاختصاص الوطني، وينعقد في حال عجز الدول عن محاكمة المسؤولين. ومنذ انضمام فلسطين إلى نظام روما عام 2015، باتت المحكمة مؤهلة للتحقيق في الجرائم المرتكبة على أراضيها، رغم أن الكيان الصهيوني ليس طرفًا في النظام، مما يعقّد الإجراءات. كما نوه إلى أن الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن يعرقل إحالة القضية إلى المحكمة، لكن المدعي العام يملك صلاحية فتح تحقيقات تلقائية، كما حدث في قضية غزة.

تطرق البوبكري إلى قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بتاريخ 21 نوفمبر 2024، الذي طالب بإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. لكنه انتقد بشدة إدراج ثلاثة من قادة حماس (محمد ضيف، يحيى السنوار، إسماعيل هنية) في القرار ذاته، معتبرًا أن هذا يساوي بين المحتل والطرف الخاضع للاحتلال، ويتجاهل سياق الاحتلال الإسرائيلي كجريمة أصلية.

وأكد أن القرار يتعارض مع القانون الدولي الإنساني، الذي يعترف بحق الشعب الفلسطيني في المقاومة المسلحة، مستشهدًا بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2787 لعام 1971. كما استند إلى الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية عام 2004 بشأن الجدار الفاصل، الذي أوضح أن حق الدفاع عن النفس لا ينطبق على أراضٍ محتلة. وانتقد تجاهل المدعي العام لتكييف الجرائم الإسرائيلية كـ”إبادة جماعية” مستقلة، واصفًا ذلك بـ”الغريب” في ظل حجم القتل والتدمير اليومي في غزة.

شدد البوبكري على أهمية التشريعات الوطنية في محاسبة مرتكبي الجرائم الدولية، موضحًا مفهوم الاختصاص الجنائي العالمي، الذي يتيح لبعض الدول محاكمة المسؤولين عن جرائم مثل الإبادة، حتى لو لم تُرتكب على أراضيها. وأشار إلى أن دولًا أوروبية مثل بلجيكا وإسبانيا تطبق هذا المبدأ، لكنه يواجه تحديات بسبب غياب نصوص قانونية واضحة في دول أخرى، و”النفاق” في السياسات الغربية التي تحمي الكيان الصهيوني.

في السياق المغربي، أكد أن القانون الوطني يعاقب على جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية، مستشهدًا بمسودة مشروع القانون الجنائي لعام 2015، لكنه دعا إلى تعزيز هذه النصوص لتكون أكثر وضوحًا وفعالية في مواجهة الإفلات من العقاب.

اختتم البوبكري مداخلته بتحديد العوائق التي تحد من فعالية العدالة الدولية، ومنها غياب الإلزامية، التحيز الغربي لصالح الكيان الصهيوني، نفاق الدول الكبرى، وعجز الدول العربية عن تبني موقف موحد. وأكد أن المقاومة الفلسطينية تمثل “السبيل الوحيد” لمواجهة الاحتلال، داعيًا إلى الاعتراف بحقها في الحفاظ على سلاحها كوسيلة مشروعة للنضال ضد الاستعمار الصهيوني.

مداخلة الأستاذ العربي البوبكري كشفت عن تعقيدات محاسبة الكيان الصهيوني في ظل نظام دولي متحيز. ورغم قصور العدالة الدولية، دعا إلى تعزيز الدور الوطني والدولي في ملاحقة المسؤولين عن جرائم غزة، مؤكدًا أن المقاومة الفلسطينية تبقى الركيزة الأساسية في مواجهة الاحتلال. هذه المداخلة لم تكن مجرد تحليل قانوني، بل دعوة لتحرك عاجل لتحقيق العدالة ودعم القضية الفلسطينية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!