د.لؤي الفلاح: آفاق التحرر الفلسطيني وسط بؤس العدالة الدولية.. مداخلة لؤي الفلاح في ندوة وجدة

في إطار الندوة الوطنية بعنوان “الحرب على غزة: إبادة في وضع دولي بمعالم ملتبسة”، التي عُقدت يوم 14 يونيو 2025 بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة محمد الأول بوجدة، قدّم الدكتور لؤي الفلاح، أستاذ القانون بالكلية، مداخلة معمّقة بعنوان “آفاق التحرر الوطني الفلسطيني في سياقات بؤس نظام العدالة الدولية”. تناولت المداخلة التحديات التي تواجه النضال الفلسطيني في ظل قصور النظام القضائي الدولي، مع التركيز على عملية “طوفان الأقصى” وآفاق المقاومة.

استهل الفلاح مداخلته بتحليل عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، واصفًا إياها برد فعل طبيعي على انسداد الأفق السياسي، نظام الفصل العنصري (الأبارتيد)، انتهاك المقدسات، والحصار الخانق الذي حوّل غزة إلى “سجن بسماء مفتوحة”. وأشار إلى أن الفلسطينيين يعيشون في “بانتوستانات”، أي أحياء معزولة تشبه النمط العنصري في جنوب إفريقيا سابقًا. وأكد أن العملية أعادت طرح الأهداف الوطنية الفلسطينية في سياق دولي معقد، حيث تُبذل جهود لطمس القضية عبر الاتفاقيات الإبراهيمية ومشاريع اقتصادية تهدف إلى تعزيز سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية التاريخية.

واستند إلى تقارير منظمات حقوقية مرموقة مثل “بيتسيلم” الإسرائيلية، “هيومن رايتس ووتش”، و”أمنستي إنترناشيونال”، التي اتهمت إسرائيل بارتكاب جريمة الفصل العنصري والاضطهاد المنهجي ضد الفلسطينيين، مما يعزز الإطار القانوني للنضال الفلسطيني.

قسّم الفلاح “بؤس نظام العدالة الدولية” إلى مظهرين رئيسيين. أولاً، عدم التسوية العادلة للقضية الفلسطينية، التي بدأت بقرار التقسيم 181 عام 1947، والذي منح اليهود 57% من الأراضي رغم أنهم كانوا 33% فقط من السكان، في خرق واضح لمبادئ العدالة. وانتقد “رعاة السلام” الغربيين، الذين يعترفون بحق الفلسطينيين في التحرر نظريًا، لكنهم لم يوقفوا استيلاء إسرائيل على الأراضي، توسع المستوطنات، أو انتهاكاتها المستمرة.

ثانيًا، قصور المتابعات القضائية للجرائم الإسرائيلية. وأشار إلى أن هذه الجرائم، من مصادرات الأراضي، الحكم العسكري على المدنيين، الحواجز، وانتهاك المقدسات، مستمرة منذ تأسيس إسرائيل. ورغم بدء تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية عام 2021 في الأراضي المحتلة، وإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت وقادة حماس، إلا أن الفلاح انتقد هذا القرار بشدة، واصفًا إياه بـ”المساواة بين الضحية والجلاد”. كما أعرب عن أسفه لعدم تكييف الجرائم الإسرائيلية كـ”إبادة جماعية” صراحة، رغم وضوح النية من وجهة نظره.

وأشار إلى تجاهل إسرائيل لقرارات محكمة العدل الدولية، واتهامها لها بـ”معاداة السامية”، إلى جانب فرض الولايات المتحدة عقوبات على المحكمتين لدعم إسرائيل. واستدل بزيارة نتنياهو للمجر بعد مذكرة الاعتقال، وانسحاب المجر من ميثاق روما، كدليل على تحدي إسرائيل للعدالة الدولية. كما أكد أن شلل مجلس الأمن، بسبب الفيتو الأمريكي، وقرارات الفصل السادس غير الملزمة، يعزز إفلات إسرائيل من العقاب.

أقر الفلاح بشرعية المقاومة ضد الاستعمار الإحلالي، معتبرًا أن إلقاء اللوم على “طوفان الأقصى” خطأ، لأن الحركات التحررية تعمل وفق توجهاتها الخاصة، وليست بقدرات الدول الاستراتيجية. وأرجع تشرذم الوضع الفلسطيني إلى عوامل إقليمية، مثل تبني دول عربية لفصائل فلسطينية لخدمة مصالحها، مما أضعف الجبهة الوطنية.

ودعا إلى بناء استراتيجية نضالية جديدة تقوم على التنسيق ودراسة الواقع الجيوسياسي. لكنه عبر عن تشاؤمه من الوضع الإقليمي، الذي يسعى لتكريس إسرائيل كقوة إقليمية وحيدة عبر القضاء على التهديدات المحيطة بها. وأكد أن نضال الشعوب قد يستغرق عقودًا أو قرونًا، مشددًا على ضرورة الصمود كعامل حاسم في تاريخ الأمم.

كشفت مداخلة الدكتور لؤي الفلاح عن عمق الأزمة التي تواجه القضية الفلسطينية في ظل نظام دولي متحيز وعاجز. ورغم “بؤس العدالة الدولية”، دعا إلى إعادة تنظيم النضال الفلسطيني عبر استراتيجية موحدة تستند إلى المقاومة المشروعة وفهم الواقع الجيوسياسي. مداخلته لم تكن مجرد نقد للنظام الدولي، بل دعوة لصمود طويل الأمد وتنسيق وطني لتحقيق التحرر الفلسطيني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!