خطاب ذكرى المسيرة الخضراء: خطاب قائد أمة وملك شعب.

بقلم: عماري عزالدين.
في مقدمة ابن خلدون نقرأ:
” لا تولوا أبناء السفهاء و السفلة قيادة الجنود و مناصب القضاء و شؤون العامة، لأنهم إذا أصبحوا من ذوي المناصب اجتهدوا في ظلم الأبرياء و أبناء الشرفاء و إذلالهم بشكل متعمد نظرا لشعورهم المستمر بعقدة النقص و الدونية التي تلازمهم و ترفض مغادرة نفوسهم، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى سقوط العروش و نهاية الدول”.

اتجه الخطاب السيادي بمناسبة الذكرى السادسة والأربعين للمسيرة الخضراء بلغة سياسية عالية، طلقت الدعوة إلى الرفق بالحق المغربي في مغربيته. صوبت منصة الرباط نحو الرفق بالآخرين، وكأنها تقول للجميع مغرب اليوم ليس مغرب الأمس، إنه مغرب ما بعد تطورات الحرب البيولوجية ( كوفيد نموذج).
هي فرصة أخرى للفرقاء إقليميا وجهويا ودوليا – لكن تكرارها غير مفتوح – أمام الأوراش التي ولجتها المملكة المغربية في شتى الميادين و عديد النوافذ.
تلح الدعوة المغربية دون إقصاء بأن شعوبنا المغاربية الخمس لاتستحق استهدافها والزج بها في عشرية سلبية أخرى، “عشريات” التبعية والتجويع والخنوع وانتظار أمر الأب( المستعمر)، في وقت باتت فيه الشعوب التي ضاقت ذرعا بالفواتير أضحت لا تهمها الدساتير، بقدر ما تهمها النجاحات في المبادرات والهجمات، في مواجهة الأنظمة التي تسكن في الشرفة العالية للقارة المعطاء.
في معمعمة هذه التجارب أصبح شعب الجارة في خجل من أمره إزاء ” مقررات مجنونة ” تنتج في مزايدات “قصر الأوراسي ” ومغامرات المقامرين في ” المرادية “، إنهم مجرد شيوخ بلا بوصلة همهم الوحيد استمرار أطروحة باءدة لزعيم من ورق ورى الثرى اسمه على غير مسمى الراحل الهواري بومدين.
لم ينتج الخطاب قاعدة عدوانية واحدة عدا اتروكونا نعيش بسلام، هكذا تحدث ملك ورث عرش أجداده على مدار 14 قرن، وهو جلالته يعي ما يقول، اتركوا القدر الإلهي العظيم من دون غضب عليكم أكثر مما هو غاضب، واتركوا الاجيال تبني مستقبلها بعيدا عن الموروث وبعيدا عن أهداف الكولونيال.
إن استياء شعوب المنطقة من غضب الله، لا تجعلوه جحيما مزدوجا بغضب الشعوب في حالة استمرار نفس التعنث باستمرار نفس المصير.
هو نداء أخير لاستعمال العقل واستحضار الضمير، دون ذلك ستنهزم عنتريات الشيوخ أمام تطلعات الشباب.
1- نهاية مرحلة.
أنهى الخطاب الملكي ليومه السبت بمناسبة الذكرى السادسة والأربعين للمسيرة الخضراء مفاهيم ثنائية: “تقرير المصير/ الحل السياسي المتوافق عليه”.
قطع محمد السادس الشك بالقين هذه المرة وبلغة ملك أمة وقائد شعب، حيث قال :”‏إن المغرب لا يتفاوض على صحرائه، ومغربية الصحراء لم تكن يوما، ولن تكون أبدا مطروحة فوق طاولة المفاوضات. وإنما نتفاوض من أجل إيجاد حل سلمي، لهذا النزاع الإقليمي المفتعل”.
إن جنوح المملكة إلى السلم رغم الضرر والظلم الذي لحق جغرافيتها شرقا جنوبا وشمالا، لايمكن أن يتجاوز سقفه حكما ذاتيا تحت السيادة الوطنية.
لم تكتفي مضامين ورسائل خطاب 6 نونبر 2021 بهذه الحتمية، بل واصل إصرار جلالته على مواصلة قطار التنمية بالأقاليم الصحراوية مع بناء مؤسسات وجماعات ترابية تدير شؤون الإقليم الصحراوي المغربي وجهته الكبرى، إنها الهيئات الديمقراطية الممثلة للصحراويين ككل.
كان لموقف الولايات المتحدة الأمريكية المعترف بمغربية الصحراء نقطة مفصلية، وعرت بقايا وترسبات ما سمي ” بالحرب الباردة “.
أضحت مدن الصحراء المغربية مراكز مقرات قنصليات عديد من الدول، إنه انتصار دبلوماسي تاريخي حققه أحفاد الأدارسة والموحديين والمرابطين.
إنها بداية مرحلة جديدة في تاريخ الدولة العلوية، مرحلة إعادة ترسيم حدود الدولة التاريخية مع إعادة بناء علاقات دولية جديدة وتحالفات إقليمية مبنية على المصالح المشتركة لا التبعية وسياسة الإستغلال.
2- بداية مرحلة.
رفع الخطاب الملكي سقف مطالب المملكة اتجاه الحلفاء، ولعل الرسالة كانت واضحة لاتحتاج إلى كثير من الجهد في التفكير حيث أكد جلالته :” ومن حقنا اليوم، أن ننتظر من شركائنا، مواقف أكثر جرأة ووضوحا، بخصوص قضية الوحدة الترابية للمملكة”.
وتابع جلالة الملك مصارحا حلفاءه وكل من يطمح في اتفاقيات تجارية خلال المرحلة المقبلة بكل جرأة ووضوح :” كما نقول لأصحاب المواقف الغامضة أو المزدوجة، بأن المغرب لن يقوم معهم، بأي خطوة اقتصادية أو تجارية، لا تشمل الصحراء المغربية.
إنه موقف ملكي وشعبي لإنهاء هذه المسرحية التي يراد من استمرارها تحويل المنطقة المغاربية كحزام وذراع للحركات الإرهابية والاستمرار في عمليات النهب والسلب والمتاجرة في السلاح والمخدرات كما هو الشأن بدولة “العصابات”، عوض التفكير في تنمية الإنسان بشكل عام وتحقيق متطلباته وتمكينه من تسيير شؤونه في زمن خضع ولازال لتطورات.
3 – مغرب جديد بعد نصف قرن.
في سنة 1975 أبدع الراحل الملك الحسن الثاني في تنظيم مسيرة خضراء سلمية لاسترجاع الأقاليم الصحراوية التي كانت تحت الحماية الاسبانية وأكد جلالته حينها أن المغاربة المتوجهين إلى الأقاليم الصحراوية يهدفون سلميا إلى رفع العلم الوطني بتراب المملكة المغتصب، مؤكدا على أنه في حالة وجود الاسبان فإن صدور المغاربة تفتح في وجه النار اما وإن وجد غير الاسبان فإن الجيش المغربي سيفتح فوهات اسلحته لاسترجاع اراضيه.
بمرور 45 سنة على الخطاب التاريخي للمسيرة الخضراء عاد ولي عهده الملك الحالي محمد السادس إلى ربط الماضي بالحاضر  واستشراف مستقبل جديد بعد وضع مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية وفتح آفاق جديدة وواعدة بعيدا عن منطق الحرب أو الابتزاز او محاولة تمديد هذا الصراع المفتعل الذي لعبت فيه الجزائر البومديينية ونظام عبد الناصر القومجي وجنون نظام   القذافي، دور مهندسي الفتنة في أكبر عملية مؤامرة ضد المملكة المغربية وفي إطار حسابات حرب باردة قسمت ظهر العالم الثالت وخاصة الدول العربية والاسلامية من المحيط إلى الخليج.
من حقنا اليوم أن نفتخر بهذا الإنجاز الديبلوماسي وهذه النتائج الايجابية التي حولت المغرب من شريك موثوق فيه إلى طرف رئيسي في كل المعادلات المطروحة في أفق تحالفات جديدة لمرحلة ما بعد ما سمي ” بالربيع العربي”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى