حزب الخضر المغربي: أزمة داخلية تهدد انطلاقة تنظيمية جديدة وسط اتهامات بـ”الكولسة”

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً داخل حزب الخضر المغربي، أعلن الأمين العام، محمد فارس، في بلاغ رسمي بتاريخ 20 يونيو 2025، تفويض مهامه التنظيمية والسياسية والإدارية والإعلامية إلى عضو المكتب السياسي، الدكتور عزيز بن عزوز، في إطار “انطلاقة سياسية وتنظيمية جديدة” تستجيب لقرارات المجلس الوطني الفدرالي بتاريخ 23 فبراير 2025.
لكن هذا القرار، الذي استند إلى ازدياد المهام الملقاة على الحزب محلياً وإقليمياً ودولياً، أشعل فتيل أزمة داخلية عميقة، حيث خرجت “الحركة التصحيحية” منددة بما وصفته بـ”تفويت الحزب لشخص واحد”، ومتهمة القيادة بـ”الكولسة” و”الخرق السافر” لأخلاقيات العمل السياسي.
وفقاً لبلاغ الأمين العام، يأتي تفويض المهام في سياق تصاعد المسؤوليات الملقاة على الحزب، خاصة بعد توليه رئاسة الاتحاد الأفريقي للأخضر وعضوية المكتب التنفيذي للخضر العالميين. كما أشار البلاغ إلى “الظرفية الخاصة والمقلقة” التي يمر بها الوطن، داعياً إلى تشكيل فريق عمل بقيادة بن عزوز لتنسيق الأعمال السياسية والإدارية والإعلامية، مع تعيينه ناطقاً رسمياً باسم الحزب.
وأكد البلاغ أن هذه الخطوات تهدف إلى تمكين الأمين العام من التفرغ للقضايا الكبرى، بما في ذلك حماية الوطن وقارة إفريقيا من التغيرات المناخية، والتحضير لاستضافة اجتماع المجلس التنفيذي لفيدرالية الخضر العالميين بالمغرب نهاية 2025، بالتزامن مع مؤتمر الأطراف (COP30).
وختم البلاغ بدعوة المناضلين والمتعاطفين إلى “التعامل التضامني والوحدوي” مع هذه المرحلة، والمساهمة بفاعلية لتحقيق “استحقاقات تتطلب تضحيات”، في إشارة إلى طموح الحزب لتعزيز دوره في المشهد السياسي والإيكولوجي على المستويات الوطنية والدولية.
لم تلق هذه الخطوات قبولاً لدى فصيل واسع داخل الحزب، حيث اعتبرت “الحركة التصحيحية”، التي تضم أعضاء من المكتب السياسي والمجلس الفدرالي، أن تبرير الأمين العام بـ”تزايد المهام” هو “در للرماد في العيون”. وفي بيان شديد اللهجة، اتهمت الحركة القيادة بإصدار القرار في “ظروف سرية” دون استشارة المكتب السياسي، واصفة إياه بـ”خرق سافر لأخلاقيات العمل السياسي” و”طعن خطير في نزاهة وسمعة الحزب”.
تتركز الانتقادات حول شخصية عزيز بن عزوز، القيادي السابق في حزب الأصالة والمعاصرة، والذي انضم إلى حزب الخضر منذ أربعة أشهر فقط. وتشير الحركة التصحيحية إلى أن بن عزوز لم يثبت عضويته بشكل قانوني داخل الحزب، مما يجعله غير مؤهل لتولي أي مسؤوليات قيادية. كما أثارت الحركة مخاوف من الاتهامات الإعلامية التي تلاحق بن عزوز، والتي وصفتها بـ”الثقيلة”، معتبرة أن اختياره يشكل تهديدًا مباشرًا لسمعة الحزب ويعيد إنتاج “نفس الوجوه ونفس الممارسات” في المشهد السياسي المغربي.
لم تقتصر الانتقادات على شخصية بن عزوز، بل شملت طبيعة القرار نفسه. وصفت الحركة تفويض كل المهام لفرد واحد بأنه “بدعة سياسية” غير مسبوقة، وضربة لمبدأ العمل الجماعي الذي يشكل جوهر الحركات الإيكولوجية عالمياً. وأشارت إلى أن الحزب كان بإمكانه تشكيل فريق من الكفاءات بدلاً من “تفويت الحزب” لشخص غريب عن التنظيم.
كما اتهمت الحركة القيادة بتهميش أصوات الشباب والنساء منذ انضمام “الفريق المطرود” من حزب آخر، في إشارة إلى بن عزوز ومن معه. وذهبت إلى حد اتهام الأمين العام بتسهيل “صفقة كاملة الأركان” لتسليم الحزب إلى “كائنات انتخابية” معروفة في الإعلام المغربي، محملة إياه مسؤولية الاختلالات الإدارية والمالية داخل الحزب.
أعلنت الحركة التصحيحية عزمها سلك “كل السبل القانونية والنضالية والترافعية والإعلامية”، محلياً ودولياً، للحفاظ على حزب الخضر ككيان سياسي نزيه، بعيداً عن “الاسترزاق الانتخابوي والانتهازية الشخصية”. في المقابل، يراهن الأمين العام على دعم قراراته لتعزيز مكانة الحزب في المشهد الإيكولوجي العالمي، خاصة مع التحضيرات لاستضافة فعاليات دولية مرتبطة بقضايا المناخ.
تكشف هذه الأزمة عن انقسامات حادة داخل حزب الخضر المغربي، وتطرح تساؤلات ملحة حول قدرته على التوفيق بين طموحاته الدولية والحفاظ على وحدته الداخلية. فهل سينجح الحزب في تجاوز هذه العاصفة والمضي قدماً نحو “انطلاقته الجديدة”، أم أن الصراعات الداخلية ستعيق دوره كحركة إيكولوجية رائدة في المغرب؟ الأيام المقبلة ستحمل الإجابة.