تغافل الناطق الرسمي باسم الحكومة عن مقتضيات دستورية وتداعياته على التواصل الحكومي

مقدمة

أثار الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، مصطفى بايتاس، جدلاً جديدًا خلال ندوته الصحفية الأسبوعية التي أعقبت اجتماع المجلس الحكومي، بسبب تصريحاته حول صلاحية إحالة القوانين إلى المحكمة الدستورية. تجاهل بايتاس، في معرض رده على سؤال حول مشروع قانون المسطرة الجنائية، دور جلالة الملك محمد السادس كأول من يملك هذه الصلاحية بموجب الفصل 132 من الدستور المغربي.

هذا التغافل، سواء كان عن جهل أو قصد سياسي، يثير تساؤلات حول كفاءة الناطق الرسمي في التواصل السياسي والقانوني، ويسلط الضوء على تحديات الشفافية في التواصل الحكومي. يهدف هذا المقال إلى تحليل هذا التغافل من منظور قانوني، مع استعراض تداعياته على ثقة المواطنين في المؤسسات الدستورية.

الإطار القانوني: الفصل 132 من الدستور

ينص الفصل 132 من الدستور المغربي لعام 2011 بوضوح على أن جلالة الملك يملك صلاحية إحالة أي مشروع قانون أو اتفاقية دولية إلى المحكمة الدستورية لفحص مدى مطابقتها للدستور. هذه الصلاحية تأتي إلى جانب صلاحيات أخرى مُنحت لرئيس الحكومة، ورئيسي مجلسي النواب والمستشارين، وعدد محدد من أعضاء البرلمان (40 نائبًا أو 25 مستشارًا). ومع ذلك، فإن تصريح بايتاس اقتصر على ذكر الأخيرين، متجاهلاً دور جلالة الملك، مما يشكل خطأ قانونيًا صريحًا يتعارض مع النص الدستوري.

الفصل 132 يعكس التوازن الدقيق في الدستور المغربي بين السلطات التنفيذية والتشريعية والملكية، حيث يؤكد على المكانة الدستورية للملك كضامن لاستمرارية الدولة واستقلالها القضائي. إن تجاهل هذا النص لا يقتصر على خطأ تقني، بل يحمل دلالات سياسية وقانونية تتعلق باحترام التوازن المؤسساتي الذي يشكل أساس النظام الدستوري المغربي.

سياق التصريح: مشروع قانون المسطرة الجنائية

جاء تصريح بايتاس في سياق نقاش حول مشروع قانون المسطرة الجنائية، وهو مشروع حساس نظرًا لتداخله مع الأبعاد الحقوقية والقانونية والسياسية. هذا المشروع، الذي أثار جدلاً واسعًا في الأوساط القانونية والحقوقية، يتطلب مناقشة دقيقة وشفافة لضمان التوافق مع الدستور والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. تصريح بايتاس، الذي تجاهل دور جلالة الملك، يثير تساؤلات حول مدى إلمام الناطق الرسمي بالمقتضيات الدستورية، خاصة في سياق مشروع قانون يتطلب فهمًا عميقًا للإطار القانوني والمؤسساتي.

التداعيات القانونية والسياسية

  1. الخطأ القانوني: تجاهل بايتاس لدور جلالة الملك في إحالة القوانين إلى المحكمة الدستورية يشكل خرقًا للدقة القانونية المتوقعة من مسؤول حكومي في منصبه. هذا الخطأ قد يُفسر على أنه نقص في الإلمام بالنصوص الدستورية، مما يضعف مصداقية الناطق الرسمي في التعامل مع قضايا قانونية حساسة.
  2. تأثير على الثقة العامة: التواصل الحكومي هو أداة أساسية لبناء الثقة بين المواطنين والمؤسسات. تصريحات غير دقيقة، مثل تلك التي أدلى بها بايتاس، قد تُرسخ انطباعًا بغياب الشفافية أو الكفاءة في الأداء الحكومي. هذا النوع من التواصل يفتح الباب أمام التأويلات والشائعات، مما يُضعف الثقة في المؤسسات الدستورية.
  3. سابقة متكررة: النص المقدم يشير إلى أن هذا ليس الخطأ الأول لبايتاس. فقد أصبحت ندواته الصحفية تُعرف بالتهرب من الأسئلة الحساسة، الردود غير المقنعة، وحتى الصمت في بعض الأحيان. هذا النمط من التواصل يعكس تحديًا هيكليًا في استراتيجية الحكومة للتفاعل مع الرأي العام، ويثير تساؤلات حول قدرة الناطق الرسمي على تمثيل الحكومة بكفاءة.

التواصل الحكومي: بين الشفافية والمصداقية

يُعد التواصل الحكومي ركيزة أساسية في النظام الديمقراطي، حيث يتطلب دقة في المعلومات، شفافية في الطرح، ومصداقية في الأداء. تصريح بايتاس يكشف عن فجوة في هذه العناصر الثلاثة:

  • الدقة: تجاهل الفصل 132 يعكس نقصًا في الإلمام بالنصوص الدستورية أو عدم الدقة في صياغة الردود.
  • الشفافية: التهرب من الأسئلة الحساسة أو تقديم ردود غامضة يُضعف قدرة الحكومة على توضيح مواقفها بشكل واضح.
  • المصداقية: تكرار مثل هذه الأخطاء يُرسخ انطباعًا سلبيًا لدى الرأي العام، مما يؤثر على ثقة المواطنين في الجهاز التنفيذي.

في سياق مشروع قانون المسطرة الجنائية، كان من المتوقع أن يقدم الناطق الرسمي توضيحات دقيقة وشاملة، خاصة وأن هذا المشروع يتعلق بحقوق المواطنين ومبادئ العدالة. إن تجاهل دور جلالة الملك، سواء عن جهل أو قصد، يُعد خطأً استراتيجيًا يُضعف موقف الحكومة ويثير مخاوف بشأن التزامها بالشفافية والدقة القانونية.

توصيات قانونية وسياسية

  1. التكوين القانوني للناطق الرسمي: يجب أن يخضع الناطق الرسمي باسم الحكومة لتكوين مستمر في النصوص الدستورية والقانونية لضمان دقة تصريحاته، خاصة في القضايا الحساسة التي تتطلب فهمًا عميقًا للإطار القانوني.
  2. تعزيز الشفافية في التواصل: ينبغي للحكومة تبني استراتيجية تواصل واضحة وشفافة، تعتمد على الردود المباشرة والدقيقة، بدلاً من التهرب أو الصمت أمام الأسئلة الحساسة.
  3. مراجعة آليات التواصل الحكومي: يُوصى بإنشاء آلية داخلية لمراجعة التصريحات الحكومية قبل إصدارها، لضمان توافقها مع النصوص الدستورية والقانونية، وتجنب الأخطاء التي قد تؤثر على مصداقية الحكومة.
  4. تعزيز دور المحكمة الدستورية: يجب تسليط الضوء على دور المحكمة الدستورية كضامن لدستورية القوانين، مع توعية الرأي العام بصلاحياتها، بما في ذلك دور جلالة الملك كأول من يملك إحالتها.

إن تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، حول صلاحية إحالة القوانين إلى المحكمة الدستورية، يكشف عن تحديات في التواصل الحكومي تتعلق بالدقة القانونية والشفافية. تجاهل دور جلالة الملك، كما ينص عليه الفصل 132 من الدستور، ليس مجرد خطأ تقني، بل يعكس فجوة في الأداء الرسمي قد تؤثر على ثقة المواطنين في المؤسسات. في سياق حساس مثل مشروع قانون المسطرة الجنائية، يصبح من الضروري تعزيز كفاءة التواصل الحكومي، وضمان الالتزام بالنصوص الدستورية، لتعزيز الشفافية والمصداقية في إدارة الشأن العام.

المراجع

  • الدستور المغربي لعام 2011، الفصل 132.
  • تصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، خلال الندوة الصحفية الأسبوعية، يونيو 2025

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!