تعزية “جيل24” في رحيل الشيخ مولاي جمال الدين القادري بودشيش

إلى الله رجعت روح نقية، وإلى جوار ربها انتقل قلب طاهر، فقد استرد الله أمانته واستقبل في حضرته العليا سيدي الشيخ مولاي جمال الدين القادري بودشيش، شيخ الزاوية القادرية البودشيشية، الذي لبى نداء ربه زوال يوم الجمعة 8 غشت 2025، عن عمر ناهز ثلاثًا وثمانين سنة، بعد مسيرة مباركة عطرها الذكر والتزكية، وأنارها العلم والسلوك.

يا سيدي جمال الدين، يا درة التصوف السني، ويا وريث سيدي حمزة القادري في الطريق إلى الله، كنتَ نورًا يضيء دروب المريدين، ومنارة تهدي السائرين إلى معارج القرب الإلهي. لقد حملتَ أمانة الطريقة القادرية البودشيشية بصدق وإخلاص، مقتفيًا أثر والدك الجليل، فجمعتَ بين الأصالة العريقة والمعاصرة الرشيدة، وزرعتَ في قلوب الأحباب حب الله ورسوله، وتشبثًا بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ووفاءً لميثاق الأمة مع إمارة المؤمنين.

من قرية مداغ الطاهرة، حيث أشرقت شمس وجودك سنة 1942، إلى رحاب فاس ودار الحديث الحسنية بالرباط، نسجتَ مسيرة علمية صلبة، توجتَها بدبلوم الدراسات العليا وأطروحة دكتوراه ألقت الضوء على دور الزوايا في المغرب بين الأصالة والتجديد. لكنك، يا سيدي، اخترتَ أن تكون زاهدًا عن أضواء الدنيا، متواريًا عن الإعلام، متفرغًا لتربية النفوس وتزكية القلوب، لا تظهر إلا في المناسبات الروحية العظيمة، كالمولد النبوي الشريف، حيث كنتَ تعطر الأرواح بذكر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

ورحيلك، يا شيخ السالكين، ليس إلا انتقالًا من دار الفناء إلى دار البقاء، حيث الجوار الإلهي والقرب من الحضرة النبوية. وقد تركتَ وصية مباركة، كما أوصى والدك من قبل، بنقل الأمانة الروحية إلى ابنك الدكتور مولاي منير القادري بودشيش، ليواصل المسيرة ويحفظ العهد. وكانت كلماتك الأخيرة في ذكرى سيدي حمزة دعوة إلى التمسك بحبل الله المتين، وتعظيم الرابطة الروحية، والتشبث بإمارة المؤمنين، رحمةً بالأمة وصونًا لوحدة الوطن.

إن المغرب، بفقدانك، يودع رمزًا من رموز التصوف المعاصر، ومرجعًا جمع بين العلم الشرعي الرصين والسلوك الصوفي العميق. لقد أثرتَ الطريقة القادرية البودشيشية بإشعاعها الوطني والدولي، وجعلتَ من الزاوية منارة للتربية الروحية والفكر الإسلامي المجدد.

فإنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا على فراقك لمحزونون. نسأل الله العلي القدير أن يتغمدك بواسع رحمته، وأن يسكنك فسيح جناته، وأن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة، وأن يجزيك عن أمتك ومريديك خير الجزاء. ونسأله سبحانه أن يحفظ خلفك سيدي مولاي منير، وأن يوفق الزاوية القادرية البودشيشية لمواصلة رسالتها في نشر الخير والمحبة والسلام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!