تطورات جديدة في لغز تخريب خط أنابيب نوردستريم: اعتقال مشتبه به أوكراني في إيطاليا

برلين – 26 غشت 2025
في خطوة وصفت بأنها “إنجاز استقصائي هام”، أعلنت السلطات الألمانية عن اعتقال مواطن أوكراني يُدعى “سرحي ك.” في إيطاليا، على خلفية الاشتباه في تورطه بتنسيق عملية تخريب خطوط أنابيب نوردستريم 1 و2 التي تربط روسيا بأوروبا عبر بحر البلطيق. ويأتي هذا الاعتقال، الذي تم في مقاطعة ريميني الإيطالية في 21 غشت 2025، كأول اختراق كبير في التحقيقات المتواصلة منذ وقوع الانفجارات الغامضة في شتنبر 2022، والتي أدت إلى تدمير ثلاثة من الأنابيب الأربعة للخطين، مما تسبب في تسرب كميات هائلة من غاز الميثان إلى الغلاف الجوي.

ووفقًا للمدعين العامين الألمان، يُشتبه في أن “سرحي ك.” كان أحد منسقي العملية التي نفذتها مجموعة مكونة من ستة أفراد، استخدموا يختًا مستأجرًا يُدعى “أندروميدا” لتنفيذ الهجوم. وقد أشار المدعون إلى أن اليخت تم استئجاره باستخدام وثائق هوية مزورة، وغادر من ميناء روستوك الألماني في شتنبر 2022، حيث قام غواصون مدربون بزرع أجهزة متفجرة على خطوط الأنابيب بالقرب من جزيرة بورنهولم الدنماركية. وكانت التحقيقات الألمانية قد كشفت سابقًا عن آثار متفجرات تحت الماء على متن اليخت، مما عزز الاشتباه في أن هذه العملية كانت مدبرة بعناية.

خلفية الحادث وتحقيقات متعددة

في 26 شتنبر 2022، سجلت هزات أرضية في بحر البلطيق، تبعتها اكتشاف تسربات غاز ضخمة في خطوط نوردستريم، التي كانت تُعد شريانًا حيويًا لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا. وأكدت تحقيقات السويد والدنمارك، التي أُغلقت في فبراير 2024 دون تحديد المسؤولين، أن الانفجارات نجمت عن عمل تخريبي متعمد. وفي حين تواصل ألمانيا تحقيقاتها، أثيرت العديد من الروايات حول الجهة المسؤولة، حيث اتهمت روسيا الولايات المتحدة وبريطانيا، بينما وجهت أوكرانيا أصابع الاتهام إلى موسكو، وهي اتهامات رفضتها جميع الأطراف.

وذكرت تقارير إعلامية، بما في ذلك صحيفة “دير شبيغل” و”وول ستريت جورنال”، أن مجموعة موالية لأوكرانيا ربما تكون وراء الهجوم، بهدف قطع مصادر تمويل روسيا من مبيعات الغاز إلى أوروبا خلال الحرب الأوكرانية. ومع ذلك، نفت الحكومة الأوكرانية أي تورط رسمي، حيث أكد الرئيس فولوديمير زيلينسكي في وقت سابق أن كييف “لم تقم بمثل هذه الأعمال”.

تفاصيل إضافية حول المشتبه بهم

تشير التحقيقات إلى أن فريق التخريب ضم خمسة رجال وامرأة، بينهم غواصون مدربون، استخدموا مهاراتهم لزرع المتفجرات على عمق يتراوح بين 70 و80 مترًا تحت سطح البحر. وكان قد صدرت مذكرة توقيف أوروبية في يونيو 2024 بحق مواطن أوكراني آخر يُدعى “فولوديمير ز.”، وهو مدرب غوص يُعتقد أنه زرع المتفجرات، لكنه تمكن من الفرار إلى أوكرانيا قبل توقيفه في بولندا. كما حددت التحقيقات زوجين أوكرانيين يديران مدرسة للغوص، يُعتقد أنهما شاركا في العملية.

تداعيات سياسية وأمنية

أثار الاعتقال تساؤلات حول العلاقات بين أوكرانيا وحلفائها الأوروبيين، خاصة ألمانيا، التي تُعد ثاني أكبر داعم لكييف في الحرب ضد روسيا. ووصفت وزيرة العدل الألمانية ستيفاني هوبيغ الاعتقال بأنه “نجاح استقصائي كبير”، مؤكدة الحاجة إلى كشف ملابسات الهجوم بالكامل. في الوقت نفسه، أعربت روسيا عن استيائها من عدم مشاركتها في التحقيقات، معتبرة أن الهجوم “عمل إرهابي” أثر على مصالحها الاقتصادية.

تحذيرات استخباراتية سابقة

كشفت تقارير أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) حذرت ألمانيا في صيف 2022 من احتمال وقوع هجوم على خطوط الأنابيب، بناءً على معلومات من مصدر أوكراني نقلها جهاز الاستخبارات العسكرية الهولندي (MIVD). ووفقًا لصحيفة “واشنطن بوست”، حاولت الولايات المتحدة ثني أوكرانيا عن تنفيذ العملية بعد علمها بالخطة، لكن العملية نفذت على الرغم من ذلك.

تحديات مستمرة

لا يزال لغز تخريب نوردستريم يثير جدلًا واسعًا، مع استمرار التحقيقات الألمانية كالجهة الوحيدة التي تواصل البحث عن الحقيقة. ويُعتقد أن إصلاح خطوط الأنابيب قد يستغرق حتى عام 2026، مما يعكس الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تكبدتها الشركات الأوروبية المستثمرة في المشروع. وفي ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، يبقى هذا الحادث رمزًا لتحديات أمن الطاقة في أوروبا، مع دعوات متجددة في البرلمان الأوروبي لإجراء تحقيق مستقل بقيادة الاتحاد الأوروبي.

ويظل السؤال المحوري قائمًا: هل ستتمكن التحقيقات من كشف كافة خيوط هذا اللغز، أم أن الحقيقة ستبقى غامضة كمياه بحر البلطيق؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!